ما هي غابات البحر المتوسط؟
إن مناخ البحر المتوسط يتميز بفصل شتاء معتدل، لا ينخفض خلاله المتوسط اليومي لدرجة الحرارة في أغلب المناطق انخفاضاً يتسبب في توقف نمو أغلب الأشجار، أمَّا فصل الصيف فهو يمتاز بحرارته وجفافه، ولكن على الرغم من ذلك فإن الغابات التي تنمو في هذا المناخ تتكون في مجملها من أشجار عريضة الأوراق ذات خضرة دائمة لا تنفض أوراقها بسبب الجفاف، كما يحدث للغابات الموسمية أو الأحراج المدارية مثلاً، وتعتبر غابات البحر المتوسط في الواقع نوعاً فريداً في بابه من أنواع الغابات؛ لأنه ليس من المعتاد أن تنمو غابات ذات أوراق عريضة داخل إقليم يوجد به فصل جاف يكون طويل دون أن تنفض أوراقها خلال هذا الفصل.
كما أن هذه الغابات تمتاز بصفات خاصة تساعدها على الاحتفاظ بلونها الأخضر خلال فصل الصيف، ومن هذه الصفات أن الأشجار تكون بعيدة عن بعضها نوعاً ما، بحيث أن الشجرة الواحدة تكون قادرة على أن تستفيد من المياه الموجودة في منطقة كبيرة من الأرض، كما تكون الجذور مشعبة، وطويلة بدرجة تستطيع بطولها أن تصل إلى طبقة المياه الباطنية، أمَّا الأوراق فإنها تكون قليلة، كما يكون معظمها صغيراً وسميكاً ومتصلباً ذو سطح أملس ناعم أو غير ذلك من الصفات التي تحول دون سرعة فقدان المياه بعملية النتح، وبعض الأشجار مثل الفلين تغطي جذوعها قشور سميكة جداً تمنع ضياع مياهها وعصارتها بالتبخر وكثيراً ما تكون الأوراق شوكية متشابهة لأوراق كثير من النباتات التي تنمو داخل الأقاليم الجافة.
وغابات البحر المتوسط في مجملها من نوع الأدغال (Scrub Forests) التي تتكون من أشجار ذات ارتفاع متوسط أو قصير، أمَّا الأشجار الضخمة فيقل وجودها بشكل عام، إلا في بعض الأماكن التي تساعد ظروف المناخ والتربة فيها على سرعة النمو، فهنا تنمو أشجار جذوعها سميكة، يلتف بعض أغصانها على البعض الآخر، وتتغطى الأرض التي بينها بطبقة من الحشائش القصيرة، ورغم أن الأشجار لا تقل أوراقها غالباً داخل أي فصل من الفصول فإن هناك موسماً محدداً لخروج البراعم والأوراق الجديدة، حيث أن ذلك يكون عند بداية الفصل المطير في الخريف، أمَّا خروج الأزهار والثمار فيحدث بشكل عام داخل فصل الربيع، وهذا بعكس الحال في الغابات المدارية المطيرة التي لا يكون فيها موسم خاص من أجل خروج الأوراق أو الزهور؛ إذ إن هذا يحدث في شهور العام جميعها على حد سواء.
ويعتبر البلوط ذو خضرة دائمة والفلين من أهم الأشجار التي يختص بها مناخ البحر المتوسط، وهي تمتاز بجذوعها التي تتغطى بقشور سميكة جداً تقطعها شقوق طويلة وبأن أوراقها ذو حجم صغير وسميكة أيضاً متصلة سطحها ناعم، وتعتبر أشجار الزيتون كذلك من الأنواع الأساسية، وهي ذات جذوع كبيرة مغطاة بقشور سميكة تقطعها كذلك شقوق طويلة، ويلتف بعض فروعها على البعض الآخر، أمَّا أوراقها فهي صغيرة الحجم متصلبة ذو مسام قليلة، ومن الأشجار المهمة أيضاً شجرة القسطل (أبو فروة) (Sweet Chestnut) والغاز (Laurel) وبعض أنواع الأشجار المخروطية (Conifers) مثل الأرز (Cedar) والسرو، ثم أشجار اليوكاليبتوس (Eucalyputs)، وأشجار الكافور التي تكثر بشكل خاص داخل أستراليا.
وإلى جانب الغابات فإن مناخ البحر المتوسط تنمو فيه أيضاً أحراج كثيفة تتغطى بها الأرض في بعض الأماكن وتتخللها بعض الأحيان شجيرات أو أشجار قصيرة، وتعرف هذه الأحراج في كاليفورنيا بإسم (شابارول Chaparral)، أمَّا داخل البلاد التي تحيط بالبحر المتوسط فتعرف بإسم (ماكي Maqui) وإلى جانب المناطق التي تصلح بطبيعتها لنمو هذه الأحراج نجد أنها تظهر كذلك في بعض المناطق الأخرى التي كانت تغطيها الغابات، وذلك بعد أن اجتثت أشجارها، وأهم فائدة لهذه الأحراج هي أنها تساعد على تنظيم انحدار المياه على جوانب المنحدرات وتمنع من انجرفها للتربة.
وفضلًا عن النباتات الطبيعية فإن مناخ البحر المتوسط يكون صالح لزراعة أشجار الفاكهة التي أهمها الموالح والمشمش والكمثرى والتفاح والخوخ والتين واللوز والكروم وأشجار الزيتون، ويكون ظهور مناخ البحر المتوسط بشكل عام في غرب القارات ما بين خطي عرض 30 درجة و40 درجة تقريباً، وأكبر منطقة يحدث فيها هي التي تحيط بالبحر المتوسط نفسه في العالم القديم.
وإلى جانب ذلك نرى بأنه يحدث داخل كاليفورينا بأمريكا الشمالية وفي وسط شيلي وأمريكا الجنوبية، في منطقة رأس الرجاء الصالح داخل أفريقيا، أيضاً في منطقتين صغيرتين في الطرفين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي لأستراليا.
