ما هو نهر أمو داريا؟
يعني نهر آمو باللغة الإنجليزية وطاجيك داريوي آمو باللغة التركمانية أميديريا، أوزبكي أموداريو والاسم القديم نهر أوكسوس، فهو يعتبر أحد أطول أنهار آسيا الوسطى، حيث كان نهر أمو داريا معروفاً تقليدياً في العالم الغربي من العصر اليوناني والروماني باسم (Oxus) وكان يطلق عليه العرب (Jayn)، ويُزعم أنها تشتق اسمها الحالي من مدينة أومول التي قيل إنها احتلت موقع توركمينابات الحديث (شارجيو سابقاً) في دولة تركمانستان.
وكما كان معروفاً في العصور القديمة لم يحظ النهر باهتمام كبير في أوروبا حتى عهد بيتر الأول الأكبر قيصر روسيا، وعلى الرغم من أن أول خريطة موثوقة نسبياً للنهر تم إنشاؤها عام 1734 ميلادي، إلا أن البحث المنهجي في المنطقة لم يبدأ إلا في نهاية القرن التاسع عشر، وفي نهاية العشرينيات من القرن الماضي نُشرت خريطة حوض نهر آمو داريا بأكمله في منطقة طشقند.
كما قيل بأن اسم أمو جاء من مدينة أومول التي تعود إلى القرون الوسطى (لاحقاً تشاهار جوي/ شارجونو والمعروفة في الوقت الحالي باسم توركمينابات)، وفي تركمانستان الحديثة وداريا هي الكلمة الفارسية لكلمة (نهر)، حيث تُسمَّي المصادر العربية والإسلامية في العصور الوسطى نهر جيهون (بالعربية: جَـيْـحُـوْن، بالحروف اللاتينية: (Jayḥūn) وأيضاً (Jaihun) أو (Jayhoon) أو (Dzhaykhun)) المشتق من (Gihon) الاسم التوراتي لأحد الأنهار الأربعة في جنة عدن، كما يمر نهر أمو داريا عبر واحدة من أعلى صحاري العالم، ذكر الرحالة الغربيون في القرن التاسع عشر أن أحد الأسماء التي عرف بها النهر في أفغانستان هو جوزان، وأن هذا الاسم استخدمه المؤرخون اليونانيون والمغوليون والصينيون والفارسيون واليهود والأفغان، ومع ذلك لم يعد هذا الاسم مستخدماً.
ممر النهر:
إن النهر يتكون من التقاء كل من نهر (Vakhsh) ونهر (Panj Pyandzh) (عند هذه النقطة يُعرف باسم (Amu Darya) ويتدفق من الغرب إلى الشمال الغربي، حيث تشكل نهر أمو داريا في مسارها العلوي جزءاً من الحدود الشمالية لأفغانستان مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، ثم يتدفق النهر بعد ذلك عبر صحراء شرق تركمانستان ويشكل في مساره السفلي جزءاً من الحدود بين أوزبكستان إلى الشمال الشرقي وتركمانستان إلى الجنوب الغربي، حيث يبلغ طول نهر أمو داريا 879 ميلاً أي (1415 كم) لكن طوله يبلغ تقريباً 1.578 ميلاً أي (2540 كم) إذا تم قياسه من مصادر تياره الرئيسي نهر بانج في بامير، وفي الماضي تم تصريف نهر أمو داريا في بحر آرال، لكن تحويل مياه النهر لأغراض الزراعة في القرنين العشرين والحادي والعشرين ساهم في تقلص بحر آرال وضمن عدم وصول النهر إلى نهايته التاريخية.
فليس بعيداً عن تقاطع نهر بانج مع (Vakhsh) ينضم إلى (Amu Darya) ثلاثة روافد إضافية وهي كل من: من اليسار (باتجاه الجنوب) بنهر (Qondz) ومن اليمين (باتجاه الشمال) بنهر (Kofarnihon) (كافيرنيغان) ونهر (Surkhan)، وبعد مغادرة منطقة المرتفعات ينحرف النهر إلى الشمال الغربي لعبور سهل طوران القاحل، حيث يشكل الحدود بين صحراء كاراكوم إلى الجنوب الغربي وصحراء كيزيلكوم إلى الشمال الشرقي يفقد نهر أمو داريا الكثير من مياهه في هذه المنطقة؛ وذلك بسبب الري والتبخر والتسرب، كما يمتد حوض أمو داريا لمسافة 600 ميل تقريباً أي (950 كم) من الشمال إلى الجنوب ولأكثر من 900 ميل أي (1450 كم) من الشرق إلى الغرب، حيث يحدها من الشمال حوض سير داريا وحوض تاريم من الشرق وحوض نهري إندوس وهلمند من الجنوب، ومن إجمالي مساحة الحوض البالغة 179700 ميل مربع؛ أي (465500 كيلومتر مربع) يقع نصفها فقط داخل منطقة منبعه وسلاسل جبال بامير وهيندو كوش إلى الشرق.
هيدرولوجية ومناخ النهر:
يختلف هطول الأمطار ودرجة الحرارة في حوض نهر أمو داريا بشكل أساسي وفقاً للتضاريس الموجودة، حيث تعتبر المناطق الغربية على خطوط العرض الوسطى المصدر الرئيسي لهطول الأمطار في حوض النهر، كما يسقط هطول الأمطار بشكل رئيسي على شكل ثلوج خلال فصل الشتاء، ويساعد في تغذية الأنهار الجليدية في مناطق منبع نهر أمو داريا على أعلى المرتفعات في بامير وهندو كوش، حيث أن متوسط درجات الحرارة تكون أقل من درجة التجمد في الشتاء وقد يتجاوز هطول الأمطار السنوي 40 بوصة أي ( 1،015 ملم)، كما يزداد متوسط درجات الحرارة الشهرية، وينخفض هطول الأمطار في المرتفعات المنخفضة، ففي الروافد السفلية لنهر أمو داريا يكون متوسط هطول الأمطار السنوي أقل من 4 بوصات أي (100 ملم) مع متوسط درجات الحرارة في يوليو فوق 77 درجة فهرنهايت أي (25 درجة مئوية) ومتوسط درجات الحرارة في شهر يناير تتراوح بين 32 درجة فهرنهايت و 50 درجة فهرنهايت (0) درجة مئوية و 10 درجات مئوية).
لذلك من الناحية الهيدرولوجية يتكون حوض أمو داريا من وحدتين وهما كل من: منطقة جبلية للتغذية ومنطقة منخفضة من النضوب، حيث ترتفع منابع نهر أمو داريا في جبال كل من طاجيكستان وأفغانستان بين الثلوج الدائمة والأنهار الجليدية في بامير وسلسلة جبال ترانس آلاي إلى الشمال الغربي وهندو كوش، حيث تتراوح الارتفاعات من 16400 إلى 23000 قدم أي (5000 إلى 7000 متر)، وإن المصدران الرئيسيان للنهر هما كل من نهر فاخش ونهر بانج الذي تشمل روافده نهر بامير يتبعان مجرى غربي، كما يزداد تدفق نهر أمو داريا من شهر مارس إلى شهر مايو عندما يذوب الثلج على السهول ويزداد هطول الأمطار، ويزداد التدفق في الصيف مع ذوبان الجليد والثلج في سلاسل الجبال، وينحسر التدفق بشكل تدريجي من شهر سبتمبر إلى شهر فبراير، وخلال فصل الشتاء يتشكل الجليد على طول ضفاف الروافد العليا للنهر، وقد تتجمد أقسامه السفلية تماماً لأكثر من شهرين، وعندما يبدأ الجليد الطافي في الانتشار في فبراير ومارس يكدس النهر في اتجاه مجرى النهر ويشكل سداً طبيعياً، حيث تنفجر هذه السدود في بعض الأحيان بشكل كارثي وتتسبب في فيضانات كبيرة، وفي مجراه العلوي يكون تدفق النهر مستقراً في مسارها الأدنى هو أقل من ذلك بكثير، وإن حمولة رواسب النهر عالية جداً.
تأثير الإنسان على بيئة النهر:
قبل بداية سبعينيات القرن الماضي تشعب نهر أمو داريا إلى عدد من الروافد التي أفرغت في بحر آرال عبر دلتا واسعة، ومع ذلك بدأت الحكومة السوفيتية في تحويل كميات كبيرة جداً من المياه من النهر بداية من الخمسينيات من القرن الماضي من أجل ري القطن والمحاصيل الأخرى المزروعة في الحوض السفلي للنهر، حيث تم الانتهاء من الجزء الرئيسي من قناة كاراكوم في الستينيات لنقل المياه من نهر آمو داريا في كركي وتركمانستان غرباً إلى ماري وعشق أباد، ممَّا أدى تحويل المياه من نهر أمو داريا للري إلى تقليل كمية المياه التي تدخل بحر آرال والتي بدأت بالتالي في الانكماش، كما أدى الري المتزايد في السهول الفيضية الحارة والجافة في أمو داريا وفي المناطق المجاورة إلى التبخر الذي ترك رواسب الملح التي تجعل التربة عقيمة.
كما نقل الجريان السطحي هذه الأملاح إلى المياه السطحية وزاد من ملوحة نهر أمو داريا، وعند حلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين انحسر الشاطئ الجنوبي لبحر آرال عدة أميال من دلتا أمو داريا السابقة، حيث تقلصت البحيرات والأراضي الرطبة التي يغذيها النهر في منطقة الدلتا إلى نسبة ضئيلة فقط من حجمها السابق، فينمو العرعر والحور حتى حافة النهر في المناطق الجبلية، حيث تكثر التوت البري والتوت، كما يسود كل من الصفصاف، النبق، الحور والقليل في المرتفعات المنخفضة، فقد شكلت الأشجار على طول أدنى مجاري النهر في يوم من الأيام تشابكاً لا يمكن اختراقه في دلتا النهر المغطاة بالقصب، ولكن النباتات المقاومة للملح والجفاف هي الآن النباتات السائدة هناك.
فإن المياه المستنفدة والملوثة في نهر أمو داريا السفلى ودلتاها السابقة التي كانت غنية بالحياة البرية أصبحت في الوقت الحالي خالية تقريباً من الأسماك والطيور، وحتى قبل أن يتم إغلاق الروافد المنخفضة المتناقصة أمام الملاحة فقد كان نهر آمو داريا يحمل القليل من حركة المرور؛ وذلك بسبب مجرى النهر غير المستقر والمياه الضحلة، حيث تم إنشاء نظام معقد جداً من السدود بداية من منتصف القرن العشرين خاصة على المسار السفلي لتوفير الري وحماية الحقول المزروعة من الفيضانات، كما تم بناء سد ضخم يصل طولة تقريباً إلى 984 قدماً أي (300 متر) ومحطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر فاخش في نوراك (نوريك) وطاجيكستان في السبعينيات والثمانينيات، وقد توقف بناء سد آخر على نهر فاخش في روغون وطاجيكستان عندما دمرت مياه الفيضانات الموقع في عام 1993 ميلادي تم القيام ببعض الأعمال في المشروع منذ ذلك الحين.