اقرأ في هذا المقال
من الطبيعي أن نشاهد فهداً سريعاً تصل سرعته إلى ما يزيد على التسعين كيلو متر في الساعة، أو نرى طائر الشاهين يلتقط فريسته من علوّ شاهق بسرعة تصل إلى حوالي ثلاثمئة كيلو متر في الساعة، ومن الطبيعي أيضا أن نشاهد أفعى تلتهم حيواناً فوق حجمها، ونملة تحمل فوق رأسها أشياء تفوقها بعشرات المرات في الحجم، ولكن هل تساءلنا يوماً عن الضوء الذي تصدره اليراعات المضيئة.
سلوك اليراعات المضيئة في التعايش
يوجد العديد من الأسماء التي يمكن وصفها لليراعات، ولعلّنا نتحدّث عن حشرة اليراعات المضيئة أو الخنفساء المضيئة أو حشرة الحباحب، وهي حشرة صغيرة الحجم يمكن لنا أن نشاهد ضوءً يخرج من أجسدها، ليس بذلك الضوء القوي الذي يمكننا الاستدلال على الأشياء من خلاله، ولكنّه ضوء خافت يخرج من جسد تلك الحشرات بصورة ملفتة لطالما أثارت إعجاب علماء سلوك الحيوان.
يوجد في العالم حوالي ألفين نوع من أنواع اليراعات المضيئة، وهي تتواجد بصورة خاصة في المناطق الاستوائية وفي المناطق الحارة، فضلاً على أنها تنتشر في المناطق معتدلة الحرارة وفي المناطق الباردة بوتيرة أقل، وتظهر هذه الحشرات التي تبدو كحشرات عادية في النهار بصورة طبيعية، إلا أنها تنتشر وتظهر بصورة كبيرة في أيام الصيف الحارة.
كيف تنتج اليراعات الصغيرة الضوء
تعتبر اليراعات الصغيرة من الحشرات التي تمتلك خاصية الإضاءة على الرغم من أنّ أنواع عديدة لا يمكنها الإضاءة، ولعلّ هذا الضوء الخافت الذي يخرج من أجسادها لم يخرج على سبيل الصدفة أو بصورة عشوائية، فهو نتاج لتفاعل كيميائي ما بين عناصر الكالسيوم الموجودة في جسد تلك الحشرة وما بين الأكسجين وعنصر الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، وهذه التوليفة الكيميائية ينتج عنها الضوء الذي نراها غريباً من بعيد ولكنه يخرج من حشرة لا تفوق النحلة أو النملة أو العنكبوت الصغير في الحجم.
لماذا تصدر اليراعات الصغيرة الضوء
لا يوجد شيء في الطبيعة لا حاجة منه أو لا داعٍ له، فكلّ حيوان وكلّ سلوك له تأثير على النظام البيئي وعلى السلوك الحيواني القائم منذ ملايين السنين، فاليراعات الصغيرة لا تمتلك القدرة التي تساعدها على حماية نفسها من الافتراس، فهي وجبة سهلة تحصل عليها الطيور مثل طيور الحمام أو الغربان أو البومة، وهي وجبة سهلة للضفادع وللجرذان وللفئران وللأفاعي، وهذا الأمر يستوجب منها طرق تقوم من خلالها بحماية نفسها.
إنّ الضوء الخافت الذي يصدر من تلك الحشرات الصغيرة يعتبر بمثابة شيء غير طبيعي للحيوانات الأخرى، فهي في تلك الحالة تخشى على نفسها من ذلك الضوء كونها غير قادرة على معرفة مصدره بصورة طبيعية، وهذا الأمر يجعلها تبتعد عن المكان الذي تتواجد فيه تلك الحشرات بصورة سريعة خوفاً من المجهول، وبذلك تقوم تلك الحشرات المضيئة الصغيرة بمحاولة حماية نفسها ليلاً.
من الطبيعي أن اليراعات المضيئة تستخدم أضويتها التي بالكاد نراها في الليل بصورة متوهجة مهمة للغاية لها ولأبناء جنسها، فالذكور تقوم بإنتاج الضوء في محاولة منها لجذب الإناث ولفت انتباهها، حيث لا يمكن للإناث أن تستدل على أماكن تواجد الذكور بصورة طبيعية دون وجود إشارة تساعدها على الجذب، ولعلّ الإناث تطلق أضواء مشابهة للذكور في إشارة منها على الموافقة، حيث تتم عملية التزاوج بناء على تلك الأضواء الناتجة التي تعتبر من أكثر الإشارات رواجاً بين تلك الحشرات.
تعتبر حشرة اليراعات المضيئة من الحيوانات القادرة على إنتاج الضوء بصورة طبيعية مئة بالمئة دون الحاجة إلى أية وسائل مساعدة أخرى، وهي حشرات قادرة على إنتاج العديد من الألوان المتباينة ما بين الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق، وهذه الألوان يمكن أن تنتجها تلك اليراعات الصغيرة بصورة جماعية في بعض الأحيان، وهذا الأمر تمت ملاحظته من قبل علماء سلوك الحيوان وتم تحليله بأنه وسيلة للتواصل ما بين الذكور والإناث، وأن للغرائز دور كبير في هذا الشأن.
وأكّد علماء سلوك الحيوان أن اليراعات الصغيرة تقوم في بعض الأحيان في إنتاج بعض هذه الأضواء في محاولة منها لجذب الحشرات الصغيرة الأخرى، وبعد ذلك تقوم بافتراسها ولكن يقتصر هذا الأمر على بعض أنواع اليراعات المضيئة في العالم وحسب طبيعة المكان الذي تتواجد فيه، لتكون تلك الحشرات من أكثر الحشرات إثارة للعجب شأنها شأن العديد من المخلوقات التي تضيء وخاصة البحرية القادرة على إصدار الضوء بصورة رائعة داخل المياه.