تمتاز الحيوانات بالعديد من الحواس وبقوّة متفاوتة ما بين حيوان وآخر، ولعلّ الأسماك تمتاز بصورة عامة بقوّة حاسة الشمّ لديها بالإضافة إلى قوّة حاسة البصر لدى بعضها وقوّة السمع لدى بعضها الآخر، ولعلّ الثدييات التي كانت محور بحث البشر لقربها منهم لفترة من الزمن تمتاز بنظرها القوي وحاسة الشمّ التي تساعدها على الرعي أو الصيد كالضباع والغزلان، ولكن هل تساءلنا يوماً ما عن مقدار قوّة حاسة البصر لدى الحشرات وإلى أي مدى يمكنها أن تُبصر أمامها؟
حاسة البصر لدى الحشرات
تعتبر الحشرات هي الأكثر عدداً وكمّاً ونوعاً وانتشاراً بين جميع الحيوانات، فهي تُشكّل ما يصل نسبته تسعين بالمئة من أعداد الحيوانات الموجودة على سطح الأرض، ولمعظم الحشرات بصورة عامة زوج من العيون أو أكثر تساعدها على الرؤية، ولكن بصورة مختلفة ما بين حشرة وأخرى، فحاسّة البصر لدى النمل ولدى النحل تختلف عن تلك التي تمتلكها حشرة فرس النبي التي تمتاز بقوّتها الكبيرة.
إنّ عيون الحشرات بصورة عامة تتواجد في منطقة الرأس وتُشكّل جزءاً هاماً من الرأس، وهي عيون مُركّبة ضخمة مقارنةً بحجم الحشرات، وتتكوّن من عدسات سداسية تساعدها على الإبصار، حيث تشبه في شكلها شكل خلايا النحل، حيث تتباين عدد العدسات ما بين ستة عدسات لدى بعض أنواع النمل إلى ما يزيد على الثلاثين ألف عدسة لدى حشرة فرس النبي.
لا يمكن للحشرات أن تضبط بؤرة العين كما هي الحال لدى الإنسان، ومعظم الحشرات لا يمكنها أن تبصر لمسافات بعيدة، فالحشرات في مُجمَلها لا ترى لمسافة تزيد على المتر الواحد، حيث أن نظرها في هذه الحالة يكون حاداً ويرى الأحجام أكبر مما هي عليه، ولكن يمكنها من خلال حاسة البصر أن ترصد التحركات في أجزاء من الثانية، كما وتميّز الألوان بصورة أوضح وترى في الظلام كما هي الحال لدى صرصور الليل.
يمكن للحشرات أن ترى الضوء بمدى أوسع من الحيوانات الأخرى، ويمكن لها أن ترى الأشعة فوق البنفسجية، حيث تعتبر حاسة البصر لدى الحشرات متطوّرة جداً مقارنةً بالعديد من الحيوانات الأخرى، كما وتمتلك بعض الحشرات أكثر من عينين كتلك التي تمتلكها الفراشات والتي تساعدها على الطيران ورؤية الأشياء من حولها وكذلك هي الحال بالنسبة للذباب.
لا تعتمد الحشرات على حاسة البصر قدر اعتمادها على حاسة الشمّ، فالنمل يمكن له أن يتعايش دون أن يُبصر كما هي الحال لدى بعض أنواعه، والنحل يمكن له أن يميّز العديد من أنواع الفواكه والزهور من مسافات بعيدة، وكذلك هي الحال بالنسبة لحشرة الدبور وصرصور الليل وغيرها من الحشرات التي تستخدم حاسة البصر كسلاح ثانٍ يأتي في الأهمية بعد حاسة الشم.
إلى أي مدى يمكن للحشرات الرؤية
تمتلك معظم أنواع الحشرات عيون تساعدها على رؤية الأشياء من حولها، وهذه الرؤية لا يمكن أن تكون كاملة كما هي الرؤية لدى الحيوانات الأخرى كالثدييات مثلاً، ولعلّ الرؤية التي تتشكّل في عيني الإنسان تختلف عن أي رؤية أخرى في أي حاسة بصر لدى أي كائن حي آخر، ولعل الحشرات تشعر بوجود تغيرات حولها فتقوم على الفور بالتحرّك بناءً على هذا التغيّر، مما يعني أنها لا تدرك الأشياء من حولها كما هي بالصورة التي نتوقعها، ولكنها تدرك بوجود تغير في الصورة أو في الحركة أو في كمية الضوء.
هناك العديد من الحشرات التي تمتلك مُستقبلات ضوئية تساعدها على إدراك الأشياء من حولها، ولعلّ الذباب وخاصة الذباب المنزلي الذي لطالما اعتدنا على رؤيته يعتبر من أكثر الحشرات تطوّراً فيما يخصّ حاسة البصر، إذ يمكن للذباب أن يرى بزاوية مقدارها ثلاثمئة وستين درجة، بمعنى أنه يستطيع أن يرى أمامه كما يرى من خلفه ومن الجانبين أيضاً، هذا الأمر من شأنه أن يمنح الذباب الأسبقية في رؤية الأشياء من كافة الاتجاهات، مما يجعل عملية الإمساك بالذباب من الأمور الصعبة للغاية.
لا يستطيع الذباب أن يشاهد الأشياء من مسافات بعيدة حالها حال الحيوانات الثدية أو الطيور، ولكن يمكنها أن تُميّز الضوء والظلام، وهذا الأمر من شأنه أن يمنحها الأسبقية في تطوير حاسة النظر لديها وفقاً للظروف البيئية التي تتعايش فيها، إذ يمكن للعديد من الحشرات أن تتواصل مع بعضها من خلال التواصل بإطلاق إشعاعات تقوم بإصدارها تسهّل عملية التواصل بصورة جيدة، وبالتالي فإنّ بعض الحشرات يمكن لها رؤية الألوان وتمييزها كما ويمكن لها تحليل أيّ تغيرات تحدث حولها بصورة سريعة.
