معاهدة فريدريك

اقرأ في هذا المقال


هي اتفاقيّة سلام قام بتوقيعها فردريك الثاني (Frederick II)، إمبراطور الإمبراطوريّة الرومانيّة المقدّسة و الصقليتين، أيضاً الملك الكامل محمد بن العادل سلطان مصر فى 18 فبراير من عام 1229.

فريدريك الثاني:

فريدريك الثاني هو إمبراطور الرومانيّة المقدسة ملك صقليّة من سلالةِ هوهنشتاوفن. ولقد تميزّ عهده بالصّراع مع البابويّة من أجلِ السيطرة على إيطاليا. وقاد الحملة الصليبيّة السادسة وتوّج نفسهُ ملكاً على القدس عام 1229.
وحكم فريدريك مملكة صقليّة حكمًا جيداً، كما أسس جامعة نابولي عام 1224، جعل من جامعة ساليرنو أفضل مدرسة طب في أوروبا. وكان طوال حياته في خلافٍ مع البابوات والمدن الناهضةِ في ألمانيا وإيطاليا. وقد أعجب فريدريك الثاني بالثقافة العربيّة الإسلاميّة وشجّع دراستها والتّرجمة منها. حيث أصبحت صقليّة في عهدهِ مركزاً هاماً لانتقال الحضارة الإسلاميّة إلى أوروبا. وقد أغضب اهتمامه هذا رجال الدّين المسيحيين فاتهموه بالزندقة أو الخروج عن الدّين.

معاهدة فريدريك:

خلصت الحملة الصليبيه الخامسة على مصر، المعروفة باسم حملة جان دى برين بالفشل، حيث تمّ عمل هدنة بين مصر و الصليبيين لمدَّة 8 سنين، لكنّ في هذه الفترة لقد وصلت دمياط مجموعة سفن عليها عسكر ألمان. وهذه السفن كان قد بعثها فردريك الثاني كمدد لمساعدةِ جيوش الحملة الخامسة، لكنّها وصلت متأخرة بعد ما كانت المفاوضات قد خلصت وووقعت اتفاقيّة الهدنة، حيث احترمت القوات الألمانية الاتفاقية. ولم تدخل في أيّ معارك وخلصت الحرب وانسحب الصليبيين من مصر بالكامل في شهر سبتمبر من عام 1221.
أمّا في سنة 1228 لقد طلع فريدريك الثاني على رأس الحملة الصليبيّة، حيث هذه كانت حملة صغيرة قوامها 600 فارس فقط وذهب بهم على عكا، فبعث له هناك الملك الكَامل رسوله “فخر الدين يوسف بن الشيخ” من أجل التّفاوض معه.

خلفيّة معاهدة فريدريك:

ولقد تزوج فردريك الثاني ايزابيلا ابنة جان دي بريين ملك مملكة بيت المقدس الرمزية سنة 1225، لكنّ ايزابيلا توفيت بعد 3 سنين من الزواج، فطالب فردريك بحقّه فى حُكم مملكة بيت المقدس كوريثٍ لإمرأته، ففكر أن يخرج فى حملة على الشّرق. ومن ناحية ثانية لقد كان البابا جريجوري السابع يلحّ طول الوقت على فردريك بضرورةِ خروجه بحملة كبيرة، لكنّ فردريك كان يماطل بالأمر لغاية ما أصدر البابا أمراً بحرمانه من الكنيسة. وبطبيعة الحال لقد كان الصّراع بين بابا الكاتوليك و الإمبراطور فردريك الثاني كان صراع ما بين الكنيسة و الملوك السيكولاريين في  أوروبا.
إن علاقة فريدرك بالملك الكامل كانت دائماً علاقة جيّدة، رغم أن هذه الفترة كَانت فترة تعصب و تزمت و حروب، حيث ساد فيها عداء مُستحكم بين المسيحيين الأوربيين و المسلمين في الشّرق، لكنّ شخصيّة وعقليّة فردريك والكامل كانوا سابقين لِعصرهم. فقد كانوا مثقفين ثقافة عاليّة وكانوا مهتمين بنشرِ العلم والإصلاح وحريّة الفكر. وعملوا على بناء المَدارس والمعاهد. وكانوا دائماً يفضّلوا أن يعملوا على حلّ المشاكل والمنازعات بالطّرق السلميّة المتحضرة.
ومن جهة أخرى، فردريك لم يكن غريب على الثقافة الاسلاميّة، حيث أنه ولد وعاش فى سيسيليا  الذي كان يوجد فيها مسلمين، فكانت اللغة العربيّة والثقافه الاسلاميّة منتشرين فيها، حتى بعد النورمان ما طردوا العرب منها. وكان فردريك على عكس مُلوك أوروبا كان يتكلّم 8 لغات من ضمنها العربي.
وفي سنة 1227، لقد تدهورت العلاقات ما بين الملك المعظم عيسى حاكم دمشق  وبين إخوته الملك الكامل محمد والملك الأشرف موسى، حيث وثق المعظم عيسى علاقاته بجلال الدّين خوارزمشاه ملك الدوله الخوارزميّة حتى يتقوّى به على الملك الكامل. وهذا كان من أسباب سعي الملك الكامل لتوثيقِ علاقته بالإمبراطور فردريك، فهو الذي طلب منه أن يذهب على الشرق حتى يسلمه بيت المقدس، حيث وصلت دعوة الكَامل في وقتها بالنسبةِ لفردريك الذي كان مشتبك مع البابا، ويحاول أن يرضيه حتى يلغي قرار حرمانه من الكنيسة.
وكان الملك الكامل يعرف بالتّحالف الذي عمله الملك المعظم مع خوارزمشاه، أيضاً كان يعرف أن فردريك يستعد لشنّ حملة صليبيّة، فكان مدرك بمدى خطورة وصول حملة صليبيّة جديدة، من بعد ما عانى من الحملة الصليبيّة الخامسة. وفي الوقت الذي كان الملك المعظم أيضاً مصدر تهديدٍ ثاني له، فقرر أن يرمي عصفورين بحجر واحد، فبعث الأمير(فخر الدين بن شيخَ الشيوخ)، لفردريك يعرض عليه أنّه ممكن أن يعطيه بيت المقدس، حتى يستطيع أن يتجنّب هجوم حملة صليبيّة جديدة، في نفس الوقت يعمل على تشويشِ الملك المعظم، أيضاً أن يَكسب صداقَة ملك أوروبا مكانةً كبيرة.
ويقول المؤرخ كانتوروڤيتز (Cantorowitz) الذي كان مؤرخ الإمبراطور فردريك عن الشخصيتين: “الملك الكَامل كان صورة شرقيّة من الإمبراطور، وممكن نقول إن الإمبراطور كان صوره غربيّة من السلطان الملك الكامل”.


شارك المقالة: