اقرأ في هذا المقال
من هو الإشبيلي؟
هو أبو الخير الإشبيلي، يُلقب بالشجّار، لم يُقدم أحد من المؤرخين والكُتاب على ذكر إسمه بالكامل، ولكنهم اكتفوا بذكر كُنيته، كان عالماً ومؤرخاً وجيولوجياً وزراعياً وجغرافياً عربياً مسلماً، قدم العديد من الإسهامات والإنجازات التي كان لها دوراً كبيراً وواضحاً في تقدم وازدهار الدولة العربية والإسلامية، إلى جانب دورها في زيادة مكانته وقيمته واشتهاره.
ولد أبو الخير الإشبيلي في مدينة الإشبيلية التي نُسب إليها، كما أنّه كان قد نشأ وترعرع فيها، حتى أنّ دراساته الأولية كانت في مسقط رأسه، لم يتم ذكر تاريخ ميلاده بالتحديد في أي من الروايات والكتب، إلّا أنّه كان قد ذُكر أنّه من أبناء القرن الخامس للهجري، هذا فقد كان الإشبيلي ابناً لواحدة من الأسر المعروفة بعملها في ذلك الزمان، والتي كانت تحث على ضرورة اعتماد كل فرد من أفرادها على نفسه في كسب عيشه ورزقه؛ الأمر الذي جعل من الإشبيلي شخصيةً عملية قبل أن تكون علمية.
إلى جانب ذلك فقد كان لأبو الخير الإشبيلي العديد من الدراسات والأبحاث والاكتشافات التي بدورها ساهمت في تقدّمه وزيادة مكانته وقيمته في العالم العربي والغربي، حيث يُقال أنّ شهرته وصلت إلى العديد من الدول الأوروبية خاصةً أنّ أبحاثه واكتشافاته كانت مُستمرة دون انقطاع، خاصةً فيما قدّمه في علم النبات.
يُعدّ أبو الخير الإشبيلي واحداً من أهم وأبرز العلماء الذين برعوا في علوم الزراعة والأرض بشكلٍ خاص، حيث كانت أولى اهتمامته هي الحصول على كماً هائلاً من العلوم والمعرفة التي تختص في تلك المجالات؛ الأمر الذي جعل منه واحداً من أبرز العلماء الذين حققوا شهرةً عالمية وتاريخية في وقتٍ وجيز، إلى جانب ذلك فقد اهتم الإشبيلي بالنباتات وأنواعها ومصادرها.
كان الإشبيلي من العلماء المعروفين والمشهورين في مدينة إشبيلية بشكلٍ خاص، بذل جهوداً وتضحيات كبيرة في سبيل إيصال علمه ومعرفته، هذا وقد عُرف عنه أنّه جاب مُعظم مناطق ودول العالم؛ وذلك بحثاً للعلم، ورغبةً منه في تقدّم نفسه وزيادة أفكاره ومعلوماته، إلى جانب أنّه كان يعتمد على مبدأ التجربة والتطبيق قبل أن يُقدّم أي اكتشاف أو إسهام كان قد توصّل إليه.
تولّى أبو الخير الإشبيلي العديد من المهام والمناصب التي كان لها دوراً كبيراً وواضحاً في ازدهاره وزيادة مكانته في نفوس من عاصره من علماء وأدباء وشيوخ وحتى من تبعوه، كما أنّه حاول جاهداً تحقيق كل ما وُكّل إليه من مهام ومناصب؛ الأمر الي جعل العديد من الحكام والسلاطين يرغبون في وجوده بشكلٍ دائم.
التقى أبو الخير الإشبيلي بعددٍ كبير من العلماء والباحثين والمؤرخين، كما أنّه كان قد تلّمذ على يد أشهرهم، حيث أخذ علومه ومعرفته عن أهمهم، إضافةً إلى أنّه كان يُقيم العديد من المُحاضرات والندوات التي كان يعقدها في شتى البلاد والدول، والتي كان يتحدّث فيها عن أهم العلوم والمعارف التي اختص بها، فقد كان يحضر تلك المُحاضرات العديد من كبار الشيوخ والعلماء والأساتذة.
حظي أبو الخير الإشبيلي بمكانةٍ وقيمة عظيمة في نفوس كل من عاصره من علماء، إضافةً إلى أنّه كان قد ذُكر في العديد من الكتب والمؤلفات التي كتبها من تبعه وعاصره من علماء وأساتذة، فقد ذكره الدكتور جمال بلخضر في إحدى كتبه واصفاً أهم أعماله بما معناه:” يُعتبر كتاب أعمدة الطبيب في معرفة النبات الذي قدّمه أبو الخير الإشبيلي من أهم الكتب التي ساهمت بشكلٍ كبير في تطوّر تاريخ علم النبات العربي خاصةً من ناحية تصنيفه”.
اهتم أبو الخير الإشبيلي بشكلٍ كبير وواضح في مجال الزراعة والأرض، هذا وقد عُرف عنه أنّه كان يقوم بالعديد من التجارب والدراسات الزراعية خاصةً في مدينة الإشبيلية، حيث تناول في دراساته كل ما يتعلّق بالنباتات سواء كانت أشجارٍ مُثمرة أو أشجار زينة، كما أنّه درس أهم أنواعها وخصائصها وبيّن من خلال دراساته ما هي الأنواع التي من المُمكن أن يتم استخدامها في علم الأدوية.
أعمال أبو الخير الإشبيلي:
تمكّن أبو الخير من تقديم العديد من الأعمال والأبحاث التي كان لها دوراً كبيراً وواضحاً في تقدّمه وازدهاره، إضافةً إلى دورها في زيادة شهرته ومكانته في نفوس كل من عاصره، إلى جانب ذلك فقد قدّم أبو الخير الإشبيلي العديد من الكتب التي كانت بمثابة موسوعة علمية تتعلق بعلوم النباتات والزراعة، ومن أهم هذه الكتب:
- كتاب” الفلاحة “: لم يُعرف الكثير عن هذا الكتاب، إلّا أنّه وحسبما ورد فإنّ هناك مجموعة من النسخ موزعة في أماكن مُحددة، وإحدى هذه النسخ موجودة في جامعة الزيتونة في تونس.
- كتاب” أعمدة الطبيب في معرفة النبات “: يُعدّ هذا الكتاب من أهم وأشهر التي قدّمها أبو الخير الإشبيلي، حيث احتوى على شرحاً تفصيلياً بكل ما يتعلق بالنبات وأنواعها وخصائصها وفؤائدها، إلى جانب أنّ هذا الكتاب من أهم المصارد العلمية التي وجدت في ذلك الزمان.
يمتاز أسلوب أبو الخير الإشبيلي في كتابه هذا بالدقة والوضوح والإيجاز، كما أنّه رتب أفكاره بشكلٍ سلس ومريح، إلى جانب أنّه كان يخلو من الحشو والإستطراد، حيث صاغ كل محتوى هذا الكتاب بلغةٍ عربية ناصعة ودقيقة بشكلٍ كامل تخلو من الأخطاء، كما أنّه أحسن اختيار الألفاظ والمُصطلحات التي توضح الفكرة أو المعلومة بالشكل الكامل.
رأي العلماء في كتاب أعمدة الطبيب في معرفة النبات:
حقق كتاب أبو الخير الإشبيلي” أعمدة الطبيب” شهرةً عالمية، كما أنّه حظي باهتمام العديد من العلماء والباحثيين؛ لما لهذا الكتاب من أهميةٍ وجيزة في تطوّر وتقدّم علم النباتات والعقاقير الطبية، ومن أشهر ما قيل عن هذا الكتاب:
- عُرض هذا الكتاب على الأستاذ عمر الخطابي الذي اندهش بكل ما احتواه من معلومات وأفكار، حيث ذكر أنّه لم يرى من قبل كتاباً مُرتباً بهذه الدقة والوضوح، كما أنّه أثنى على أبو الخير الإشبيلي مادحاً إياه.
هذا وقد أطلق الأستاذ الخطابي على أبو الخير الإشبيلي لقب “الطبيب”؛ لكونه قدّم في كتابه” أعمدة الطبيب” أنواع النباتات التي تُستخدم في علاج العديد من الأمراض، إلى جانب أنّه كان قد ذكًر أهم الأنوع التي من المُمكن أن يتم استخدامها في صناعة بعض أنواع العقاقير. - أمّا الدكتور جمال بلخضر فقد وصف ما قدّمه أبو الخير الإشبيلي في تصنيف النباتات وبيان أنواعها، بأنّها من أهم الإنجازات والإبداعات التي ساهمت في تقدّم ونمو هذا العلم، إلى جانب أنّه كان قد ذكر مدى دقة وإبداع الإشبيلي في تصنفيه للنباتات، قائلاً أنّ هذا التصنيف نابع من منهجٍ تفكيري علمي ليس عليه أي انتقاداتٍ أو اختلافات.
إضافةً إلى ذلك، فقد وضّح الدكتور بلخضر أنّ الإشبيلي كان قد اعتمد في تصنيفه للنباتات على ألوان ورق النباتات وشكلها، حيث أنّه ذكر عدة أشكال لتلك الأوراق، منها التي على شكل لسان أو على شكل كفوف ومنها ما يكون على شكل مُتراصات.