اقرأ في هذا المقال
- تأثير المنظمات التجارية في القانون التجاري
- دور التطور الاقتصادي في ظهور الهياكل التجارية والمؤسسات الدولية التجارية
تأثير المنظمات التجارية في القانون التجاري:
يمكن تحديد العلاقة بين المنظمات التجارية في الدول العربية، على وجه الخصوص، من خلال إظهار ما أسفرت عنه هذه العلاقة في المجال الاقتصادي، بالنظر إلى طبيعة هذه المنظمات، ومدى تأثر النظام القانوني التجاري بهذه العلاقة بدءاً بالنصوص التجارية؛ لأن هذه المنظمات تفرض شروطاً على الدول المدينة لا تتماشى مع النظام القانوني التجاري القائم في هذه الدول؛ الأمر الذي يتطلب من الأخيرة مراجعة قوانينها التجارية، حتى تصبح أكثر انسجاماً مع توجهات المالية الدولية التجارية، وتسهيل عملية الإصلاح المنشودة من هذه المنظمات التجارية.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية استفادت من الإنتاج الحربي وسخرته في خدمة الإنتاج التجاري، ولمعالجة هذا الوضع الخطير سعت الدول إلى إنشاء مؤسسات مالية التجارية، والتفكير فيها جاء إلى حيز الوجود قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكانت الحرب تهدف إلى تحقيق المزيد من الحرية في التجارة الدولية ومن أهم هذه المؤسسات المالية صندوق النقد الدولي إلى جانب البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حيث أن هذه المؤسسات المالية الدولية هي الركائز الأساسية لها الذي يشكل الاقتصاد العالمي.
دور التطور الاقتصادي في ظهور الهياكل التجارية والمؤسسات الدولية التجارية:
أدى التطور الاقتصادي نحو الطابع العالمي إلى ظهور الهياكل التجارية والمؤسسات الدولية التجارية التي تهدف إلى ترسيخ النموذج الرأسمالي الغربي في المجال الاقتصادي والسياسي والتجاري، بأفكاره الاقتصادية المتقدمة والحياة السياسية التي يحتويها.
وهذا يعني أن المنظمات الاقتصادية الدولية تنتمي إلى مدرسة فكرية واحدة (الرأسمالية الليبرالية)، أي أنها تترجم مفهوم أيديولوجي واحد، على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو التجاري؛ لذلك كان لهذه المنظمات دور كبير في السيطرة على اقتصاديات الدول النامية، من خلال فرض شروط معينة تشمل سياسة هذه المؤسسات التجارية، والتي يعتبر الصندوق الدولي من أهمها.
ومن أهم هذه الشروط المفروضة توفير بيئة أفضل للاستثمارات الأجنبية، وإلغاء ضوابط الصرف والواردات، وتنفيذ برامج مكافحة التضخم المحلية، بما في ذلك مراقبة عجز الدولة وخفض الإنفاق العام، والزيادة في الضغط الضريبي وارتفاع أسعار الشركات العامة وإلغاء الإعانات الاستهلاكية.
والسؤال الذي يطرح على أساس هذه الشروط هو كيف تستجيب الدول المدينة لها، والخطوات القانونية التجارية التي يجب عليها اتباعها لتجسيد هذه الإملاءات؟ عادة ما يكون رد هذه الدول على الشروط المذكورة أعلاه غير متوافق مع النظام القانوني التجاري بشكل عام.
ويقتضي إعادة النظر في النصوص القانونية التجارية المنظمة للمجال الاقتصادي، ونظراً لأهمية هذا الأخير، فإن أي تغيير عليه سيكون له انعكاسات في عدة مجالات، بدءاً بتغيير الوثيقة الأعلى في الدولة؛ لأنه يحتوي على الأسس الاقتصادية والتجارية التي تقوم عليها الدولة، كما يؤثر التغيير الاقتصادي على بعض القضايا التجارية الأخرى كوظيفة للدولة والحقوق التجارية والحريات التجارية التي يتمتع بها الأفراد.
وعليه، فإن آثار أوضاع صندوق النقد الدولي غير مباشرة على التعديلات التجارية، باعتبار أن أهداف هذه المؤسسة المالية الدولية هي النظام الاقتصادي التجاري، لكن تغيير الأخير يتطلب البدء في تغيير النصوص القوانين التجارية، حتى لا يكون من قبل نظام اقتصادي قانوني غير التجاري.
انضمت الجزائر إلى صندوق النقد الدولي عام 1963، نتيجة تفاقم الديون الخارجية، وخضعت الجزائر لشروط الصندوق، وبالتالي أبرمت الجزائر عدة اتفاقيات مع هذه المؤسسة النقدية، من أجل الاستقرار الاقتصادي، وبالمقابل فقد شهدت بعض التغييرات على المستوى التشريعي، من خلال إجراء بعض الإصلاحات التي تتطلب إصدار نظام قانوني التجاري لكل مجال على حدة.
إلا أن هذه الترسانة القانونية التجارية كان من الصعب إصدارها لولا نصوص قانونية تجارية 1989، الذي جاء نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية وخارجية جديدة وعاجلة، جعلت هذه نصوص قانونية تجارية أساسًا لنظام ليبرالي جديد، وهو يقوم على مبدأ اقتصاد السوق، وعليه فإن الأحكام الواردة في دستور عام 1989 تتماشى مع شروط الإصلاح التي فرضها صندوق النقد الدولي، وهذا مخالف لنصوص قانونية تجارية 9183 الذي نص على توجه اقتصادي اشتراكي يتعارض مع استراتيجية صندوق النقد الدولي.
وعليه، تمارس مؤسسات النقد الدولية ضغوطًا على الدول التي تلجأ إليها للاقتراض منها لمواجهة الصعوبات التي يعاني منها ميزان المدفوعات، لكنها تتلقى هذه القروض مصحوبة بوصفة إصلاحية مع الظروف الاقتصادية في الأول، لكن آثارها وانعكاساتها تؤثر على جميع المجالات، باعتبار أن الاقتصاد هو العصب الذي يدعم الدولة.
وتمارس هذه المؤسسات النقدية ضغوطا على الدول، من أجل متابعة الإصلاحات القانونية التجارية الهادفة إلى احترام حقوق الإنسان التجارية وغيرها، حتى تجد نفسها مضطرة لتكييف نظامها القانوني التجاري مع التعديلات الهيكلية التجارية التي تمليها هذه المؤسسات الدولية التجارية، لكنها تصطدم في المقابل بعدم مواكبة للاستراتيجية العامة لهذه المؤسسات، ولكي لا تقع في مشكلة في عدم وجود نصوص قانونية تجارية، يجب عليها تعديل بعض الأحكام نصوص قانونية تجارية وجعلها أكثر انسجامًا مع الخيارات التي أقرها صندوق النقد الدولي.