ما هي أسباب ظهور قانون العمل؟

اقرأ في هذا المقال


أسباب ظهور قانون العمل:

في العصر القديم الذي امتد حتى نهاية الإمبراطورية الرومانية الغربية، كان النظام الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على العبودية، الأمر الذي يتطلب وجود علاقة تبعية دائمة بين العبد والسيد، وكان العبد خاليًا من الشخصية الاعتبارية، حيث كان يُعتبر مجرد شيء أو سلعة مثل جميع السلع الأخرى التي يتصرف فيها المالك الرئيسي كتصرف له بممتلكاته الخاصة، ويستخدمه السيد مباشرة أو يستأجره لخدماته، ولا يطعمه إلا عندما يكون جائعا وبالقدر اللازم لاستغلال قواه الجسدية والعقلية له.

ولم يفصل العبد في القانون الروماني عن المنقولات الأخرى لمالكه، وأعاد إليه من العقود ما حصل عليه، وبالتالي ريع العبد بالمعنى الحقيقي لهذا المصطلح مثل إيجار الحيوان، سواء بالتساوي. وبناءً عليه، فإن شخص أو جسد العبد هو الذي يوضع تحت تصرف المستأجر، حتى لو كان حق الأخير لا يتم إرجاعه في الواقع إلا إلى عمله أو خدماته والعمل العقلي في روما قدم التفاصيل دون تعويض؛ لذلك تم تضمين العقد وفقًا لذلك.

وتم تضمينه في فئة الوكالة سواء العمل المادي التي تؤديها لسيده، ولم ينشئ أي سند قانوني مستقل عن رباط العبودية، أو إذا تم العمل من قبل العبد لصالح شخص آخر، وكان يؤديه بموجب عقد إيجار هذا الشخص. واعتبر القانون الروماني تأجير العبيد نوعًا من تأجير الأشياء، حيث استأجر السيد قوة عمل العبد مقابل عرض وهكذا، وأعطى القانون المذكور أعلاه المصنف مفهومًا ماديًا كسلعة يتم التعامل معها وخاضعة للعرض والطلب في السوق. ومن أسباب ظهور قانون العمل ما يلي:

1- علاقة العمل في نظام الطوائف:

يهدف هذا النظام إلى تنظيم كل من الحرف، وتحديد قواعد الالتحاق بها، وأصول التدرج فيها، حيث أن لكل حرفة رتب متدرجة على أساس تسلسل هرمي، بدءًا من شيوخ والمعلمين، للجنرالات أو العمال، للأولاد تحت التدريب. ومارست الطوائف نشاطات مشابهة للنقابات، وظهرت تحتها مجموعة من القواعد، مثل تحديد ساعات العمل اليومية، وحظر العمل الليلي، وتحديد عطلة الأسبوعية.

كما مارسوا بعض الأنشطة الخيرية مثل منح مساعدات مالية في حالة مرض أحد أعضائها، كما قررت منع الضباط من العمل في منازلهم، لكن يُلاحظ أن بعض هذه القواعد كان يهدف بشكل أساسي إلى حماية أصحاب العمل وبعضهم كان لأغراض أخرى. كان الغرض من منع الضباط من العمل في منازلهم؛ هو حماية من المنافسة غير العادلة وغير المنصفة من حيث الأجور ومنع العمل الليلي الذي كان يهدف إلى منع مخاطر العمل في الليل، أما تقرير العطلة من كل أسبوع، فقد كانت أغراضه دينية بحتة وكانت علاقة العمل في ظل النظام الطائفي تقوم على أساس تنظيمي لا عقائدي؛ لذلك لم يكن هناك حاجة لتدخل المشرع في تنظيم هذه العلاقة.

 2- علاقات العمل في ظل مبدأ الحرية الاقتصادية:

تهتم الثورة الفرنسية بالتدخل في تنظيم علاقات العمل؛ لأنها دعت إلى الحرية والمساواة والأخوة وأطلاق الحريات السياسية والعامة، وأقر مبدأ سلطة الإرادة في القانون ومبدأ الحرية في الاقتصاد العمل من خلال التأكيد على حرية الأفراد في مجال العمل وعدم التدخل في نظامه، وكانت نتيجة إعلان الحريات السياسية إطلاق الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية العمل، وبالتالي كان على الجميع أن ينص على الحرية والمساواة لمنع التكتلات العمالية مثل النقابات العمالية والنقابات المهنية.

وكانت الحرية والمساواة مطلوبة في منع الكتل العمالية، مثل النقابات المهنية والنقابات العمالية، بموجب قانون (Le Chapelle) الصادر عام 1791، على أساس أن هذه المجموعات تؤثر على حرية الفرد؛ لأنها قد تمارس الضغط على حرية أعضائها لحماية المصالح المشتركة. وأدى إعلان الحرية القانونية إلى اعتماد مبدأ سيادة الإرادة وحرية التقاعد.

وبناءً عليه، بدأ الأفراد في تنظيم علاقاتهم بأنفسهم عن طريق التقاعد دون الحاجة إلى تدخل الدولة، كما أن إعلان الحرية الاقتصادية كان أحد آثاره، ممّا أدى إلى إطلاق الحرية، فالأمر متروك تمامًا للأفراد في إدارة شؤون الاقتصاد دون أي تدخل من قبل الدولة، باعتبار أن وظيفتها الأساسية تقتصر على مهام الإدارة والأمن والدفاع.

3- علاقة العمل في العصور الوسطى:

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، تم إنشاء الكثير من الدول على أساس هذا السقوط وظهرت العديد من أنظمة اقتصادية، مثل النظام الإقطاعي في الزراعة ونظام العبادة في الصناعة والتجارة، ونشأ نظام خاص في ظل النظام الإقطاعي ونظام الأقنان، والذي بموجبه لم يكن الفن خاضعًا لسيد العبد، كما كان الحال مع العبد في عصر العبودية، بل كان مرتبطًا بأرض السيد، وإن طبيعة العمل الذي كان يقوم به الفن الإقطاعي لم تكن بحاجة إلى أي تنظيم قانوني لعلاقة العمل؛ لذلك لا يبدو أن أي قواعد قانونية تعمل في ظل نظام الأقنان.

نتائج مبدأ الحريات والمذاهب المتنوعة على علاقات قانون العمل:

إن الدعوة إلى الحرية والمساواة المطلقة بين الأفراد لا تتعدى كونها شيئًا خياليًا لا يقوم على أساس سليم؛ لأن المساواة الحقيقية الفعلية لا توجد بين الأفراد بسبب مواقفهم الاقتصادية المختلفة؛ لذلك فإن القول بأنهم يتمتعون بالمساواة في حرية الإرادة هو قول نظري وخيالي، حيث أن الإفراج عن الحرية في هذه الحالة يعني الإفراج عن صاحب العمل؛ لإملاء شروطه على العامل باسم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص في مناقشة هذه الشروط لحاجته الملحة للعمل.

لأن رفضه للتقاعد يعني التقاعد يعني بقائه بلا مورد وهذا ما يضطره لقبول الشروط التي يفرضها صاحب العمل فلا يمكنه ذلك، واستخدام حريته في التقاعد، واستخدام حريته التقاعدية بشكل صحيح، وأن صاحب العمل لا يشعر بهذه الحاجة الملحة للعقد، ورفضه للتقاعد بالشروط التي يطلبها العامل قد يسبب له بعض الخسارة أو يفقده بعض الربح الذي يتوقعه.

فإن حرية أصحاب العمل في تنظيم شؤون العمل وخضوعهم لقانون المنافسة دفعهم إلى السعي لتحقيق أكبر ربح ممكن وبأقل تكلفة ممكنة. ونتيجة لذلك، كان من الطبيعي أن يتم العمل في أماكن لا تتوفر فيها الوسائل والاحتياطات الصحية اللازمة، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الأجور، مما دفع العمال تحت الضغط إلى الحاجة إلى تشغيل نسائهم وأطفالهم دون حماية من القانون.

كما أدى انتشار الآلات في الصناعة إلى تعرض العمال للمخاطرة في وقت، ولم يتم فيه توفير قواعد المسؤولية التقصيرية؛ ممّا يعني أن العامل كان مطالبًا بإثبات الضرر والخطأ؛ لذلك كان من الصعب بل من المستحيل على العامل أو ورثته إثبات خطأ صاحب العمل الذي يؤدي إلى حرمانهم من الحصول على تعويض. والوضع السيء الذي وصل إليه العمال يدفع المشرع إلى الانحراف عن فكرة الحرية و مفهومها القديم، ففي 22 مارس 1841 صدر قانون في فرنسا يحظر تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة بواقع اثنتي عشرة ساعة في اليوم.

المصدر: عقد العمل في القانون المصري ، د. محمود جمال الدين زكي ، الطبعة الأولى سنة 1956، القاهرة ، ص 5 .أصول قانون العمل ،الدكتور حسن كيره ، الجزء الأول ، عقد العمل ،الطبعة الثانية ،سنة 1969 ص 26 .اقتصاد وتشريع العمل ،الدكتور صادق السعيد ، الطبعة الثانية 1969 بغداد ،ص 35 .شرح قانون العمل ، علي العريف ، الجزء الأول ، طبعة 1963 ، القاهرة ص 22 ــ 25 .


شارك المقالة: