طبيعة القواعد القانونية لعقد العمل:
طبيعة القواعد القانونية الموضوعية التي تحدد العلاقة بين الولاية القضائية والعوامل الأجنبية على وجه الخصوص، لها تأثيرها في مجال تنازع القوانين الذي هو موضوع القانون الدولي الخاص؛ لأن تطبيق مبدأ سيادة الإرادة يتأثر بطبيعة قواعد الإجراءات القانونية في نطاق تطبيقه؛ نظرًا لأن تطبيق هذا المبدأ يقتصر على نطاق عقود القانون الخاص، تمامًا كما ينطبق على العقود بموجب القانون العام أو اللوائح الإلزامية وتنطبق قواعد أخرى أيضًا، لذلك فإنه من المهم جدًا تحديد طبيعة قواعد قانون العمل.
ويعتمد تقسيم القوانين إلى قوانين عامة وقوانين خاصة على معايير معينة للكشف عن الدرجة التي ينتمي إليها قانون معين لأي من الفرعين، والمعيار العام للتمييز بين هذين القانونين هو المعيار الوطني، ويكون الشخص الاعتباري العام طرف في العلاقة المنصوص عليها في القانون، وهو صاحب السيادة والسلطة، فإذا كانت الدولة مرتبطة بعلاقة معينة ولديها هذه القدرة أي بصفتها مالك السيادة والسلطة، فإن القواعد التي تحكم هذه العلاقة مأخوذة من القانون العام، والقواعد التي تلتزم بها الدولة أو رعاياها تعتبر أيضًا القانون العام.
أما إذا كانت العلاقة بين طرفين، أحدهما ليس شخصًا خاضعًا للقانون العام، فإن القانون الذي يحكم هذه العلاقة يعتبر قانونًا خاصًا. وهنا يطرح السؤال، إذا تم تطبيق المعايير إلى أي من هذين القانونين ينتمي قانون العمل؟، حيث إنّ هناك العديد من الأراء في تحديد قواعد قانون العمل، حيث أن عقد العمل هو فرع من فروع العقود المسماة في القانون المدني، لكن المشرع خص لهذا العقد قانون خاص يتضمن شروطاً معينة لحماية الطرف الضعيف في العلاقة وهو العامل.
وعلى هذا الأساس ظهر قانون العمل على أساس أنه فرع منفصل عن القانون خاص فيما يتعلق بالقانون المدني، حيث ظهرت ثلاثة أراء في هذا الموضوع، حيث اتجه الاتجاه الأول إلى اعتبار قانون العمل قانونًا عامًا، بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى اعتبار قانون العمل قانونًا خاصًا، بينما ذهب الاتجاه الثالث إلى حقيقة أن قانون العمل هو قانون عام وهو قانون مستقل، وهو مزيج من القوانين العامة والخاصة ويسمى القانون الاجتماعي.
أولاً: قانون العمل فرع من القانون العام:
يعترف مؤيدو هذا الاتجاه بأن التطور التاريخي لقانون العمل يتطلب أن يكون فرعًا من فروع القانون الخاص وليس له علاقة بالقانون العام؛ لأنه ينظم العلاقة بين الأفراد (العمال وأصحاب الأعمال)، ولكن المزيد من التدخل الحكومي قاد المشرعون في مختلف البلدان العمل ونصوص العقود والأوامر في شؤون العمل والعمال وتعديل العلاقة بينهم، حتى انفصل هذا القانون عن فرع القانون الخاص ودخل إلى فرع القانون العام.
وبناءً على هذه الحقيقة، أي أن معيار التمييز بين القانون الخاص والقانون العام يتناسب مع طبيعة المصالح التي يحميها القانون، فالقانون العام هو قانون يعتمد عليه المصلحة العامة، في حين أن القانون الخاص هو قانون له مصالح شخصية بارزة، وبما أن قانون العمل يهدف إلى تحقيق المصالح العامة، فقد دخل مجال القانون العام.
وأدى تطور قانون العمل إلى اختراق بنود القانون العام، مع زيادة بنوده ولوائحه، حتى يتم طباعته في شكل منظم مع تدخل الدولة أكثر فأكثر في شؤون العمل، خاصة بعد تراجع الرأسمالية الحرة وولادة الرأسمالية المقيدة، فقد أدى ذلك إلى استبداد تشريعات قانون العمل واتساع محتواها ونطاقها.
ونتيجةً لذلك، تم انفصال قانون العمل عن القانون المدني ليصبح فرعًا من فروع القانون العام؛ وذلك بسبب أنّ مشرعين قانون العمل استنتجوا إلى أن القانون الخاص لا يهدف إلى الحرية والاختيار وقوة الإرادة، في حين أن القانون العام هو قانون الحرية والاختيار وقوة الإرادة وقانون القيادة والسيطرة. ومن وجهة النظر هذه، فقد تم رفض المعايير الأساسية التي تعمل على التمييز بين القانون العام والقانون الخاص، وهي إما أن يكون أحد طرفي العلاقة شخصًا عامًا، أو أن الدولة هي موضوع قواعد قانونية التي تنتمي إلى طائفة القانون العام.
وبما أن قانون العمل لا ينظم عمل السلطات العامة، فإن العقود الملتزمة بأحكامه لا يتم إبرامها بين الأطراف العقد، بما في ذلك السلطات العامة، ولكن بين الأفراد العقد (العمال وأصحاب العمل)، وبالتالي لا يتم النظر في قوانين العمل. القانون العام تمليه بعض القواعد؛ لأن العبرة منه تطبيق المعايير المذكورة أعلاه. أما المعايير التي يتبناها أنصار هذا الاتجاه، أي طبيعة المصالح التي يستهدفها القانون، سواء كانت مصلحة خاصة أو مصلحة عامة، فإن قوانين تهدف إلى تحقيق كل مصلحة خاصة، في نفس الوقت الذي يتم فيه الاهتمام التعسفي والسعي وراء المصلحة العامة خوفًا من العواقب.
ومثال على ذلك هو قانون إيجار العقارات؛ حيث إنه قانون إلزامي يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في حل أزمة الإسكان وحماية مصالح الأطراف المحرومة في العلاقة التعاقدية، أي المستأجرين. ومع ذلك، فإن عقد الإيجار هو عقد قانون خاص؛ لذلك، فإن المعيار غير دقيق؛ لأنه يسبب التباسًا بين القانونين العام والخاص ويطمس الحدود بينهما وتحكم قواعد قانون العمل بشكل أساسي علاقات العمل القائمة بين العمال وأرباب العمل، وهذه العلاقات ذات طبيعة خاصة ولا علاقة لها بتنظيم السلطة العامة أو سيادة الدولة، ونتيجةً لذلك اتجهت الأنظار إلى اعتبار قانون العمل قانونًا خاصًا.
ثانياً: قانون العمل فرع من القانون الخاص:
حتى أن مؤيدي هذا الاتجاه يعتبرون قانون العمل فرعًا من فروع القانون الخاص؛ لأنه يحكم بشكل أساسي العلاقات الخاصة والعلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال، ولا علاقة لقواعده الحالية بالقانون العام، على الرغم من تدخل المشرعين في العديد من لوائح العمل الإلزامية، وبالتالي تقييد مبدأ قوة الإرادة في إنشاء وفعالية العلاقات التعاقدية، لا تزال عقود العمل المصدر الرئيسي لعلاقات العمل الفردية. ويتضمن قانون العمل عادة القواعد التي تحكم عقود العمل الفردية وقواعد الإشراف على العمل.
وتنطبق هذه الأخيرة على جميع علاقات العمل، سواء كانت ناجمة عن عقود عمل صحيحة أو غير صالحة، ولكنه أشار إلى أنه حتى بعد تدخل المشرعين في لوائحها، فإن عقد العمل لا يزال عقدًا متفق عليه بين الطرفين وملتزم بالمبادئ العامة لنظرية العقد؛ لذلك فإن القواعد القانونية التي تحكمها أقرب إلى القانون الخاص من القانون العام، ويعتقد أنصار هذا الاتجاه أن تدخل الدولة في تنظيم شؤون العمل لا يؤثر على طبيعة القانون؛ لأن التدخل التشريعي في العلاقات الخاصة أصبح سمة من سمات العصر وسنته، التي لا تفارقها الأفراد في التعاقد في علاقاتهم العامة وعلاقاتهم الخاصة.