التخطيط المستدير للمدن المسورة له أهمية خاصة باعتباره شكلاً مميزاً في التخطيط وباعتبار ندرة أمثلته قياساً بالتخطيطات الأخرى المستطيلة او المربعة أو غير منتظمة الاشكال.
خصائص تخطيط مدينة بغداد
التخطيط المستدير في مدينة بغداد كان مثار تساؤل كثير من الدراسات والبحوث عن أصوله في إطار اهتمامات المستشرقين بصفة خاصة بمنهجية التأصيل، وقد اتجهت معظم الآراء إلى ان هذا التخطيط المستدير في بغداد أصوله إيرانية وأن هناك بعض المدن الإيرانية القديمة المشهورة يمكن اعتبارها نموذجاً سابقاً شاهدته بغداد في كل تفاصيله.
ونال هذا الرأي رجحانه في إطار البعد التاريخي لنشأة الدولة العباسية معتمدة على الفرس، وكذلك فإن قبول انتقال التأثير الإيراني في إطار الجوار الجغرافي أيضاً امر وارد، وظل هذا الرأي سائداً إلى أن تمت بعض المسوحات الأثرية لبلاد اليمن وكشفت عن وجود عديد من المدن اليمنية الحميرية القديمة التي أخذت الشكل المستدير أيضاً وفي إطار غلبة القبائل اليمنية على بقية القبائل الفاتحة لبلاد العراق كان الربط بين تخطيط مدينة بغداد المستدير وبعض هذه المدن اليمنية باعتبار مساهمة اليمنيين في نهضة العراق في العصر الإسلامي وبخاصة في مجال العمران.
أبعاد التخطيط المستدير لمدينة بغداد
كان للتخطيط المستدير بعداً اقتصادياً، حيث أن طول السور حول مساحة معينة مربعة الشكل يزيد عن طول السور حول مساحة مستديرة بنفس القدر بمقدار 11.3 % وهو ما يعني تقليل تكلفة بناء سور بغداد الذي بني مستديراً بهذه النسبة وهو يتحقق مع الشرط الرابع من الشروط التي يجب توافرها في العمارة وهو الاقتصاد، كما أن هذا يتناسب وفكر الخليفة المنصور مؤسس المدينة الذي انصب على تقليل تكلفة الإنشاء بقرد الإمكان كما تشير إلى ذلك حادثة التحول عن هدم إيوان كسرى واستخدام أحجاره في البناء لزيادة التكلفة وكذلك حادثة توجيهه للبنائين بعدم الإسراف في بناء وزخرفة خزانة نومه بالقصر.
ومن الناحية الحربية فإن التخطيط المستدير يساعد على توفير رؤية واضحة للمحاربين فوق الأسوار وداخلها عن التخطيط المربع والمستطيل الذي يخلق أربع زوايا ميته في الأركان الأربعة، كما أن التخطيط المستدير يساعد على متانة بناء الأسوار أكثر من التخطيط المربع، وهذا البعد الإنشائي مهم في استمرارية تأدية أسوار المدينة لوظائفها.
