إذا كانت جميع العمائر الدينية وغالبية العمائر المدنية فضلاً عن العمائر الحربية تتعلق بالإنسان حال حياته، فإن العمائر الجنائزية تتعلق بالإنسان أيضاً، ولكن عقب وفاته يدخل في عداد هذه العمائر تلك الأبنية التي أعدت لغسل جسد المتوفي وتجيهزه حسب الشريعة الإسلامية، ثم القيام بتأدية صلاة الجنازة عليه في مصلى أو مسجد، يكون قد أُعد خصيصاً لذلك الغرض؛ سواء كان ملحقاً بالمغسل أم كان ملحقاً بالمغسل أم كان مستقلاً، وقد عرفت تلك الأبنية واشتهرت باسم مغاسل الموتى ومصليات الجنائز، ولحسن الحظ فإن مدينة القاهرة تحتفظ بنموذج وحيد باق حتى الآن وهو مصلى المؤمني المعروف بمسجد الغوري.
خصائص العمائر الجنائزية العثمانية في مصر:
ويدخل في عداد هذه العمائر أيضاً تلك الأبنية التي أعدت لدفن الإنسان؛ أي مواراة جسده وستره، وتنحصر تلك الأبنية في نموذجين؛ أولهما القبر ذاته وثانيهما البناء المقام فوق القبر، وللقبر تسميات عديدة، كما أن للدفن طرقاً شرعية، أما الدفن في الفساقي الذي شاع في مصر ولا سيما في قبور السلاطين والخوندات والباشوات والأمراء ومن اقتدى بهم من ذوي الجاه واليسار، فقد اتفق العلماء والفقهاء على كراهيته لمخالفته السنة النبوية المطهرة.
ومهما يكن من أمر فإن الأبنية المقامة فوق القبور سواء كانت عبارة عن مدافن تعلوها قباب غالباً أو مسطحة أو أسقف هرمية أو مسنمة أحياناً، تعتبر فرعاً هاماً من أفرع العمارة الإسلامية يستحق البحث والدراسة، سواء من حيث طرزها وتخطيط نماذجها المختلفة وتكوين الكتل الرئيسية فيها، أو من حيث تفاصيلها وعناصرها المعمارية والزخرفية أو من حيث النشاطات المختلفة التي كانت تمارس فيها.
نستطيع في البداية أن نميز بين طرازين مختلفين شاع استخدامهما خلال العصر العثماني بمرحلتيه الأولى والثانية؛ أولهما وهو الأغلب، الطراز المصري المحلي الموروث وثانيهما الطراز الوافد، كما أن هناك مميزات وخصائص رئيسية لتخطيط النماذج المختلفة في كل طراز منهما على حدة مع تتبع لأصول هذا التخطيط أو ذاك، سواء في مصر أو تركيا أو في غيرهما من الأقطار العربية والإسلامية.
حيث أن الطراز الأول للعمائر الجنائزية هي القباب والمدافن المصممة وفق الطراز المصري المحلي، وهو الطراز السائد، حيث يبلغ عدد القباب والمدافن المعرفة في ضوء ما تم حصره 120 قبة ومدفناً.