إن المدرسة ككيان معماري تعد طرازاً مستحدثاً في العمارة الإسلامية، فلم يكن يعرف من قبل القرن 4 هجري، ثم لم يلبث أن انتشر في جميع أنحاء العالم، حيث إنه اتخذ في كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، كما أنه اتخذ في كل قطر منها طابعاً معمارياً خاصاً به، ومما لا شك فيه أن إنشاء المدارس كان بداية عهد جديد في تطور العمارة الإسلامية، وبخاصة العمائر الدينية من جهة وفي ازدهار الحركة العلمية في أقطار العالم الإسلامي من جهة أخرى.
وإذا كانت المدارس قد وجدت طريقها إلى مصر في أواخر العصر الفاطمي، إلا أنه لم يقدر لها الانتشار إلا في العصر الأيوبي، حيث يبلغ عدد المدارس المعروفة حتى الآن التي شيدت خلال ذلك العصر نحو ست وعشرين مدرسة منها: ثلاث وعشرين مدرسة بالقاهرة وظواهرها ومدرستان بالفيوم ومدرسة واحدة بالأسكندرية.
خصائص المدارس العثمانية في مصر:
ولم ينته عصر إنشاء المدارس بإنتهاء الدولة الأيوبية، فقد ورثت الدولتان المملوكيتان اللتان تعاقبتا على حكم مصر فيما بين 648-923 هجري، الاهتمام بإنشاء المدارس ورعاية الحركة العلمية التي ازدهرت بشكل منقطع النظير، وليس أدل على ذلك من كثرة ما خلفه علماء ذلك العصر من تراث ضخم في مختلف العلوم والفنون، والتي نُشر بعض منها ومازال أكثره مخطوطاً لم يرى النور بعد.
وللدلالة على كثرة إنشاء المدارس في ذلك العصر يكفي أن نشير إلى ما ذكره ابن بطوطه في رحلته، من أن المداس بمصر لا يحيط أحد بحصرها؛ نظراً لكثرتها، ويضيف القلقشندي فيذكر أنه بني بمدينة القاهرة من المدارس ما ملأ الأخطاط وشحنها، كذلك تفيض المصادر التاريخية ووثائق الوقف المختلفة بذكر العديد من المدارس التي شيدت خلال العصر المملوكي سواء القاهرة أو في غيرها من المدن المصرية الأخرى.
ومهما يكن من أمر فإنه لم يتبق من مدارس القاهرة المملوكية سوى اثنين وخمسين مدرسة منها: ثمان عشرة مدرسة من عصر المماليك البحرية وأربعة وثلاثين من عصر المماليك الجراكسة أو البرجية، أما العصر العثماني فقد توقفت حركة إنشاء المدارس بدرجة كبيرة، فالمعروف من هذه المدارس حتى الآن نحو ست مدارس لم يتبق منها سوى ثلاث مدارس منها: مدرستان بالقاهرة هما المدرسة السليمانية والمدرسة المحمودية، والمدرسة الثالثة توجد في محافظة الغريبة وبالتحديد في قرية محلة مرحوم وهي مدرسة عبدالله بن بغداد.