خصائص الميناء في مدينة المهدية:
تم ذكر وصفاً جميلاً للمرسى الذي نقره عبيد الله المهدي في الصخر لمرسى السفن بالمهدية، حيث قيل: مرسى المهدية منقور في حجر صلد يتسع ثلاثين مركباً على طرفي المرسى برجان بينهما سلسلة حديد.
ولقد تبين أن الغرض الذي من أجله أنشأ عبيد الله المهدي هذا المرسى، حيث قيل “إن عبيد الله المهدي أمر بحفر مرسى المدينة، وكان حجراً صلداً فنقره نقراً وجعله حصناً لمراكبه الحربية، وأقام على فم هذا المرسى سلسلة من حديد يرفع أحد طرفيها عند دخول السفن، ثم تعاد كما كانت تحصيناً للمرسى من دخول مراكب الروم”.
وما زال هذا الميناء باقياً إلى اليوم وتبلغ مساحته 126 متراً طولاً و57 متراً عرضاً، ويكشف الأسلوب الذي نفذ به هذا المرسى وهو أسلوب نقره في الحجر الصلد عن رؤية معمارية مدركة لأساليب إنشاء بعض المباني بالنقر، وهو أسلوب عرفه المصريون القدماء ونفذوا به بعض المعابد والمقابر، واستخدم أيضاً في مقابر مدائن صلاح وبعض المقابر بقرية الفاو بالمملكة العربية، والتي ترجع إلى القرن 2 قبل الميلاد إلى القرن 3 ميلادي وغيرها.
ولكن يلاحظ أن استخدام هذا الأسلوب في حفر مرسى للسفن استخدام ذكي؛ لأن الصخر الطبيعي يقوى على الماء وأمواجه أكثر من أي بناء بالأسلوب الذي يعتمد على بناء حوائط.
وصف الميناء في مدينة المهدية:
كذلك فإن فكرة إنشاء برجين عل طرفي المرسى تمتد بينهما سلسلة يوفر فرصة جيدة لمراقبة البحر من جهة المرسى ويؤمن المراكب بالمرسى من دخول سفن الروم، وبالرغم من هذه الوظيفية الحربية للمرسى، فإن تشكيل البرجين ونقر المرسى بالقياس المذكور أضفى -بلاشك- رؤية جمالية وبخاصة سمترية البرجين.
وبالرغم من كل هذه الحقائق التي تؤكد نسبة مرسى المهدية إلى عبيد الله المهدي، فإن الباحثين عرضوا آراء مختلفة من تاريخ هذا المرسى الذي اعتبروه بمثابة ميناء كبير، ومن هؤلاء جيرن الذي ذكر في كتابه أن هذا الميناء كان فينيقيا، كما يذكر باحث آخر أن ميناء المهدية قديم في تونس من أيام الرومان، وربما يبدو أن هناك تعارضاً بين ما سبقت الإشارة إليه عن مرسى عبيد الله المهدي وبين هذه الآراء التي ترجع ميناء المهدية إلى عصور سابقة على العصر الإسلامي.