النمط الأول لمسجد القبة:
يعد هذا النمط البسيط للمسجد، وعند تأصيل هذا النمط البسيط من طراز المسجد القبة في أوروبا العثمانية نجد أنه من المتفق عليه بين العلماء والباحثين أن ذلك النمط إنما هو استمرار لما اصطلح عليه بطراز بورصة الأول التي ترجع جذوره إلى العصر السلجوقي، وبخاصة عصر سلاجقة الروم في آسيا الصغرى (الأناضول)، واستمر خلال عصر الأمارات التركمانية، وألحق أن هذا الرأي يعد صائباً في حالة واحدة وهي ارتباطه بالعمارة العثمانية وتطورها فحسب.
أما ما يشير إليه هذا الرأي أن ذلك الطراز لم يعرف قبل عصر السلاجقة، فهذا أمر بعيد عن جادة الصواب إلى حد كبير، فالعمارة الإسلامية قد رفت إقامة المساجد الصغيرة ومنها مساجد خطط القبائل العربية، وفق هذا الطراز منذ النصف الثاني من القرن 1 هجري/ 7 ميلادي على أقل تقدير، بل ربما قبل ذلك بقليل، كما يستدل من المصادر التاريخية من جهة ومن الأدلة الآثارية الباقية التي تعزز ما ورد في تلك المصادر من جهة ثانية.
خصائص النمط البسيط من مسجد القبة:
استمرت بعض المساجد الصغيرة تصمم وفق ذلك النمط البسيط من طراز المسجد القبة خلال القرنين 2-3 هجري، ومنها مسجد يزدي كاشت ومسجد أبرقوه ومسجد بيرون ومسجد قرفه في بلاد فارس، ويقودنا ذلك إلى حقيقة مهمة فحواها أن تصميم المساجد الصغيرة إبان عصر السلجوقي، وفق ذلك الطراز لم ينشأ من فراغ أو فلنقل: إنه لم يكن خلقاً أو ابتكاراً جديداً، وإنما كان مجرد حبقة في سلسلة طويلة من مراحل التطور، ولم تكتمل حلقات تلمك السلسلة إلا على يد المعماريين في العصر العثماني سواء في تركيا أو مدن أوروبا أو في البلاد العربية.
كذلك لا تفوتنا الإشارة إلى أنه من الصعوبة بمكان أن نفرق أو نفصل بين النماذج الكثيرة لمساجد ذلك النمط وبين النماذج الكثيرة التي تتشابه معه، بل وتتطابق في كثير من الأحيان من الترب والمدافن ذات القباب التي صممت وفق ما اصطلحنا على تسميته بالطراز التقليدي، وهو الطراز الذي يتكون في جوهره من مساحة مربعة تختلف من مدفن لآخر ويتوسط صدرها المحراب غالباً وبدونه أحياناً، وتغطي هذه المساحة المربعة قبة يختلف قطرها وارتفاعها من مدفن لآخر.