تأثير الحضارة العثمانية على العمارة الليبية

اقرأ في هذا المقال


من المعروف أن التغييرات السياسية وحدها لا تكون سبباً في التغييرات والظواهر الفنية والمعمارية، لكنها بالإضافة تعتمد عادة على عدة عوامل أخرى، ومنها التراث الفني والمعماري لأي شعب من الشعوب ولأي منطقة من المناطق الجغرافية ووجود أو انعدام التقاليد الفنية والمعمارية ذات الأصالة المحلية، ودرجة الرقي الحضاري لأي جماعة من الجماعات البشرية من أي قطر من الأقطار.

وبالنسبة إلى ليبيا ولأسباب جغرافية ومناخية واجتماعية، فإنها تعتبر مكاناً ذا تربة غير خصبة كثيراً لإحداث التجديدات الفنية والمعمارية، وإن شعبها من الشعوب المحافظة فنياً وعليه فإن تراثها الفني والمعماري غامض وغير واضح إلى درجة كبير.

كما تبين أن تونس كانت غالباً تمثل مصدر التأثير الفني والمعماري على ليبيا، ولكي نعطي صورة أكثر وضوحاً عن هذه الفترة فإن ليبيا في الأربعة قرون الأخيرة شهدت خليطاً من التقاليد والتأثيرات الفنية القادمة من المغرب الإسلامي وتركيا، وإن أي دراسة لهذه المواضيع من الضروري تمحيصها والتدقيق فيها من واقع الحوادث والحقائق.

أثر الحضارة العثمانية على العمارة الليبية:

إن التباين في التقاليد الفنية والمعمارية قبل وبعد مجيء الأتراك إلى ليبيا غير محدد المعالم، فالاختلافات الواضحة تكمن في طريقة التسقيف وتخطيط المساجد، ففي الفترات السابقة لدخول الأتراك امتازت بعض المساجد بأسقف مسطحة خشبية، والبعض الآخر منها سقفت بأسقف نصف برميلية أو نصف برميلية متقاطعة.

في حين إن أغلب المساجد التي شيدت في الفترة العثمانية والقرمانلية قد سقفت بقبيبات، إن هذه الطريقة المستخدمة في التسقيف أصبحت هي الملمح المميز للمساجد الليبية في كل أرجاء المناطق الساحلية، وبالذات في منطقة طرابلس والمناطق القريبة منها.

كما كان النظام الإداري العثماني في ليبيا انعكاساً للنظام الإداري في إسطنبول، فإن المنتج المعماري والفني بدوره انعكاساً لتقليد تركي عثماني، كما أن عادة السلاطين العثمانيين وأفراد عائلاتهم وكبار مسؤوليهن كان يشيدون جوامع ومساجد ومنشآت معمارية دينية مختلفة، وكلما كان المبنى ضخماً وعظيما وعلى درجة عالية من الزخرفة، كلما حدد مركز المشيد ومقدار ثرائه وهو الذي سنحت له الفرصة للثراء وجمع المال.

ومن خلال دراسة عمارة المسجد الليبي في هذه الفترة اتضح أن الجوامع والمنشئات المعمارية الكبيرة قد شيدت من قبل ولادة ودايات وآغات وخواجات وأعضاء أخرين من الديوان، وعلاة على ذلك فإن أغلب هذه المباني شيدت في مدينة طرابلس.


شارك المقالة: