أسباب وضع الأروقة في المسجد الحرام:
من الثابت أن استحداث نظام الأروقة في العمارة الإسلامية بمكة المكرمة كانت بدايته في عمارة المسجد الحرام إبان عصر الخلفاء الراشدين، وبالتحديد عهد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) الذي كان أول من عمل للمسجد الحرام الأروقة حين وسعه وزاد فيه سنة 26 هجري/ 646 ميلادي.
ومن الواضح أن الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كان يهدف من وراء ذلك إلى أن يستظل الناس ويحتمون بتلك الأروقة من حرارة الشمس المحرقة، ويؤكد ذلك ما رواه الأزرقي عن جده بقوله (كان المسجد الحرام محاطاً بجدار قصير غير مسقف، إنما يجلس الناس حول المسجد بالغداة والعشي يتبعون الأفياء، فإذا قلص قامت المجالس).
يمكن القول أنه إذا كن ما فعله عثمان بن عفان دعت إليه الضرورة البيئية من جهة فإنه من جهة ثانية كان اقتداءاً وتأسياً بما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم) تلبية لنفس الظروف البيئية في مسجده بالمدينة المنورة، بعد أن اشتكى له المسلمون من حرارة الشمس ثم المطر قبل تحويل القبلة في منتصف شعبان 2 هجري/ 623 ميلادي، وبعد أن انتقلت القبلة من الشمال (جهة بيت المقدس) إلى الجنوب (جهة الكعبة المشرفة) بأمر الله عز وجل، استحدثت أروقة جديدة في الجهة الجنوبية في مقدمة المسجد بينما الأروقة الشمالية القديمة تركت في مؤخرة المسجد على حالها.
الأروقة التي وضعها عثمان بن عفان:
من الملاحظ أن عثمان بن عفان قد أقام الأروقة في جميع جوانب المسجد الحرام، وهذا شيء طبيعي دعا إليه الوضع الفريد للمسجد الحرام فقبلته (وهي الكعبة المشرفة) تقع في وسطه وإليها يتوجه المصلون من جوانب المسجد المختلفة، وبالتالي كان من الضروري والمنطقي في ذات الوقت أن تشغل الأروقة كافة تلك الجوانب.
وليس أدل على أهمية عمارة عثمان في المسجد الحرام من أنها كان لها أثرها في تطور عمارة المساجد التي صممت وفق الطراز التقليدي بصورته النهائية التي ذاعت وانتشرت في الشرق والغرب على السواء، ويتكون تخطيط ذلك الطراز من صحن أوسط مكشوف ومقدم (جهة القبلة) ومؤخر (تجاه المقدم) ومجنبتان (جناحان)، ويعد المسجد النبوي الشريف بعد عمارة عثمان بن عفان له سنة 29 هجري أقدم نماذج الطراز ترجيحياً.