يبدوا أن المنصور (خليفة مدينة بغداد) لجأ في تشييد بغداد إلى نظام الليتورجيا؛ أي جمع الصناع والعمال المتخصصين من أنحاء الدولة كل إقليم بما يتقنه، فبعد ما استقر رأيه على اختيار موضع عاصمته الجديدة كتب إلى عماله على المدن والامصار يطلب إيفاد الصناع المتخصصين في الشؤون المختلفة في البناء، فاجتمع له مهندسون وبناؤون من بلاد الشام والموصل والكوفة وأواسط البصرة وهنا لابد أن نشير إلى أن معظم سكان المدينة العراقية كانوا من أصل يمني مما يبرز أهمية وضع التأثير اليمني في الاعتبار.
خصائص تشييد مدينة بغداد
لم يبدأ العمل بها إلا بعد ان اجتمع آلاف العمال، حيث ذكر عدد مبالغاً من العمال، فذكر أنهم وصلوا إلى مائة ألف، وقد اشترك أربعة من المهندسين المعماريين في تشييد المدينة، كما أشرف على البناء أربعة مراقبين من بينهم الإمام أبي حنيفة النعمان، ويكشف هذا الأمر عن تكوين الجهاز الفني والإداري الذي باشر انشاء المدينة وتقسيم العمل من الفنيين والإداريين كان له بلا شك أثر في إنجاز عمارة المدينة في أسرع وقت.
وقيل أن المنصور أمر بضرب اللبن وطبخ الآجر وعهد إلى الإمام أبي حنيفة بأن يعد اللبن ويشرف على البناء، وقيل أنه فعل ذلك لأنه عرض على أبي حنيفة أن يوليه القضاء فرفض وأقسم المنصور ألا يتركه حتى يوليه عملاً من الأعمال وامتثل أبا حنيفة لهذا التكليف، وتمكن من عد الطوب بطريقة التكعيب بالقصبة فكان أول مسلم اعتمد على القصبة في حساب الآجر أو اللبن المعد للبناء وأهمل الطريقة البطيئة في عد اللبن وحسابه.
وصف تشييد مدينة بغداد
لقد أراد المنصور أن يتبين مخطط المدينة الجديد بشكل واضح، فأمر بأن تخط معالمها بخطوط من الرماد، ثم وضعت على الخطوط كرات القطن وصب عليها النفط واشتعلت فيها النار، وتكشف هذه الحادثة عن اتباع المسلمين لإعداد مخططات لمنشآتهم ومدنهم قبل إنشائها يعدها المهندسون المختصون ليتم وفقها عمليات الإنشاء، وبعد ذلك بدأ حفر أساس السورين والخندق العميق بهما، وقيل أن الذي فكر في جعل المدينة مدوره هو المنصور نفسه، حيث كتب أن مثل هذه المدينة المدورة لم يعرف قبل مدينة بغداد.