من الواضح أن مسجد السيّاح بجنزور هو أحد المساجد أو المحار التي أشار إليها التجاني في رحلته، المبنى الحالي يتكون من صحن وبيت للصلاة، الجزء الأخير مسقوف بثلاثة أقبية برميلية متوازية مع جدار القبلة، هذه الأقبية يحملها عقدان، كل عقد منهما مرتكز على دعامتين ملتصقتين بالجدران كأن بهما دخلتان عمق كل منها نحو 30 سم.
هذا الترتيب لهيكل العقود والبناء لقاعة الصلاة من الداخل امتازت به كل المساجد الليبية التي ترجع للفترات السابقة للعهد العثماني، واستمر هذا الترتيب الإنشائي كذلك في المساجد التي شيدت في الفترة العثمانية.
خصائص مسجد السياح في ليبيا:
المعالجة المعمارية للصحن التي رأيناها في كل من مسجد جنزور القديم، ومسجد الشيخ السيقاطي هي نفسها بمسجد السيّاح الذي زود بمئذنة من نوع المئذنة السلم، وقد أقيمت على الجدار الشمالي الغربي من بيت الصلاة، كما يشبه مسجد السياح في تخطيطه العام وأسلوب بنائه المساجد التونسية والليبية من نفس النوع، والتي امتاز بها معمار المسجد في كلا البلدين خاصة قبل الفترة العثمانية.
ويقع هذا المسجد على بعد نحو 3 كيلو متر شمال موقع مسجد جنزور القديم، وهو غير مؤرخ ولم يذكره التجاني بالاسم ضمن مساجد جنزور القديمة بسبب تشابه أسلوبه المعماري الواضح مع المساجد التونسية والليبية بأقبية برميلية، وعلاوة على ذلك فإن سكان قبيلة السيّاح يعتقدون أن مسجدهم هذا هو من أقدم المساجد الباقية في جنزور، وذكر التجاني أن هناك مجموعة من المساجد على الشريط الساحلي بجنزور بدون أن يذكر أسماءها.
كما نصل إلى أن المعلومات التي أوردها التجاني عن المساجد الليبية غير كافية لإعطاء صورة واضحة عن التقاليد الفنية والمعمارية للمسجد الليبي للفترة السابقة للعصر العثماني، وكعادته يعطي التجاني أسماء بدون وصف لها، ومهما يكن فإن كتاب رحلة التجاني يعتبر المصدر الوحيد الذي أشار إلى مساجد منطقة طرابلس الغرب في العصر الحفصي.
أما الزركشي وهو مؤرخ من القرن الخامس عشر فيعطينا وصفاً جيداً عن ازدهار مدينة طرابلس، فأشار إلى أن أبا زكريا اللحياني استقر في طرابلس وبنى بها قصراً كان يسمى الطارمة، وكانت جدران هذا القصر مكسوة ببلاطات من القاشاني وبالرخام، وأشار الزركشي أيضاً إلى أن اللحياني أنعش الحياة الزراعية والاقتصادية والفنون والعمارة.