بقيت بعض آثار مدينة المهدية التي أنشأها الفاطميون كبعض العناصر المعمارية بالمسجد الجامع وميناء مدينة المهدية، وأشارت المصادر كذلك إلى بعض المنشآت وإلى بعض ملامح تخطيطها كقصر الخلافة لعبيد الله المهدي وقصر ابنه وغير ذلك من الجباب والمصانع لتخزين الماء والأهراء لتخزين القمح، هذا بالإضافة إلى المساكن الخاصة بالحاشية والجند وفي ضوء ما تبقى من أثار وما ورد في المصادر يمكن أن نعطي صورة عن المنشآت الدينية والمدنية.
المنشآت الدينية للمسجد الجامع:
أنشأ عبيد الله المهدي بمدينته مسجداً ومن طريف ما يذكره التيجاني في هذا الخصوص ما يقوله من أن عبيد الله المهدي استصغر موضع مساحة مدينته فردم من البحر مقدارها وأدخله في المدينة، فاتسعت والجامع الأعظم الآن والدار المعروفة في القديم بدار المحاسبات من جملة ردم في البحر.
كما ويكشف هذا العمل عن مدى حرص عبيد الله المهدي على اختيار موضع مدينته المهدية رغم صغره وتغلبه على صغر المساحة بردم جزء من البحر، والذي يعادل مساحته الأصلية، كما أنشأ عليه المسجد الجامع وبعض المنشآت الأخرى، ولعل دافعه إلى ذلك هو حضانة هذا الموضع الذي يحيط به البحر من ثلاث جهات.
كما أن إنشاء المسجد الجامع في أي مدينة إسلامية مبكرة كان من المحاور التخطيطية الأساسية لها باعتباره أحد المعايير التي تميز المدينة عن غيرها من المستوطنات الصغيرة، واهتم عبيد الله المهدي بإنشاء المسجد الجامع في مدينته من هذا المنطلق، ومن منطلق آخر حيث كان للمسجد الجامع دور مهم في تأكيد السلطة السياسية لدولته الناشئة وبخاصة وأنها تختلف في مذهبها عن المذهب السني للخلافة العباسية والخلافة الأموية في بلاد الأندلس.
وقد حدثت بعمارة المسجد الجامع بمدينة المهدية تعديلات معمارية كثيرة غيرت معظم وحداته وعناصره، ورغم هذا التعديل فإن تحديد العناصر والوحدات الفاطمية من الأهمية بمكان وبخاصة بالنسبة لدراسة العمارة الفاطمية بمصر.
والمسجد الجامع حالياً يشغل مساحة من الأرض مستطيلة الشكل يبلغ قياسها 82×60 متراً، وتعتبر الواجهة الشمالية للمسجد هي الواجهة الرئيسية وتضم هذه الواجهة بعض العناصر والوحدات المعمارية الأصيلة لعمارة المسجد، بالإضافة إلى قطاع حديث نسبياً يمثل واجهة لميضأة ومئذنة حديثتين.