لاقى المسجد ذو القبيبات في ليبيا استحسان المؤمنين، وقد أسهمت في إنجاحه عوامل عديدة.
عوامل نجاح المسجد ذو قبيبات في ليبيا
إن أول هذه العوامل يتمثل في يسر الإنشاء الذي لا يتطلب مهارة خاصة تفوق المقدرة على بناء المرابطية، علماً بأن ليبيا عجت دوماً بمثل هذه المهارات العادية، كما يشهد بذلك (كتاب الإشارات) وكما يمكن للمرء أن يلاحظ شخصياً في وقتنا الراهن.
هذا وأن المسجد الليبي -بوصفه ثمرة جهود تلقائية شعبية- كان مكتوباً له أن ينبت في بلد ازدهرت فيه ظاهرة المرابطية بشكل خاص، وبتكرار عنصر القبة الرتيب فيه فإنه يثير بالفعل الأذهان صورة القبيبات المرابطة الكثيرة المنتشرة في البلاد. ولذلك فإنه يعبر بلغة معمارية غاية التماسك عن إحدى الصور التي تتجلى فيها المشاعر الدينية التي يحملها أهل شمال إفريقيا: ألا وهي تبجيل وتكريم الأولياء الذين عرفوا أحسن من غيرهم تشريف عقيدتهم وتعظيمها.
خصائص نجاح المسجد ذو قبيبات في ليبيا
إن الخواطر السابقة تلوح في فكر كل من يعكف على دراسة المسجد الليبي من وجهة وسطية وشكلية، ولكن إذا انعقد الإنسان على فحصه من الناحية المعمارية الصرفة بمعنى انه إذا تبصر فيه بمنظار الفضاء الداخلي أمكنه استخلاص اعتبارات أخرى ذات أهمية أكبر.
إن القبة المركزية العظيمة في المسجد العثماني تحدد بوضوح فضاء داخلياً ضخم الأبعاد، وإن هيمنة هذه القبة على جماعة المصلين تبدو كأنها أدارة لعزلهم عن الدينا وإدماجهم في عالم آخر لا ميز فيه، وإن للقدرة الوهمية الموحدة الصادرة عن عظمة هذه القبة تأثيراً مرهقاً يزداد بازدياد أبعاد القبة ذاتها، ومن الجيد أنها تتناسب تماماً مع نوع المجتمع الذي استحبها، أي الدولة التركية المتمركزة بسلطات قوية وبنظام اشتهر بتسلسله الإداري وغيرته الشديدة على سلطان الدولة العاقدة العزم على البقاء دونما تغيير في الزمان ولا في الأراضي التي احتلتها بقوة الحديد والنار.
يلاحظ أن هذا كله غير موجود في المسجد الليبي، حيث يبلغ الحجم المنحصر أبعاداً متواضعة وينقسم إلى عدة أجزاء أساسية تتوافق مع العناصر التي تشكل التنظيم الإنشائي، وحيثما توقف المصلي داخل المسجد وجد نفسه ضمن إطار مكون من أربعة أعمدة وفي ظل قبيبة.