تفوق العرب والمسلمون في فن العمارة أكثر من تميزهم في أي مجال فني آخر، بسبب ذلك أصبح الفن المعماري الإسلامي من أقوى الفنون في العالم، فقد كانت الأبنية هي أول ما عبر به المسلم عن أفكاره وعقيدته، بالإضافة لكونها الأكثر ضرورة لحياة المسلم، لهذا أودعها خلاصة مشاعره وأفكاره، وشيئاً فشيئاً تحول بناء تلك المباني إلى عمل فني يجمع عدة فنون في آن واحد مثل الفسيفساء، الحفر على الخشب، الخط العربي والحفر على المعادن.
نشأ الإسلام في صحراء شبه الجزيرة العربية، حيث تميزت الحياة بالبساطة والتقشّف، كانت معظم الحضارات العربية القديمة تبعد إلى حد ما عن مكة والمدينة حيث عاش الإسلام سنواته الأولى، لهذا لم يعرف العرب في مكة والمدينة طرازاً معمارياً يميزهم عن باقي الأمم في ذلك العصر، مثل الفرس (الإيران) والروم (الحضارة الرومانية الشرقية بالقسطنطينة)، كان البناء المعماري الأشهر والأكثر أهمية في حياة العرب هو الكعبة، بيت الله الحرام، كما كانت قيمتها الروحية خالصة، رغم ذلك فهي بناء شديد البساطة يتكون من شكل مربع من الحجر يغطى معظمه بكسوة من القماش.
ولما انتشر الإسلام وظهرت المساجد باعتبارها مكان عبادة العبادة المقدس للمسلمين، لم يكن لها شكل محدد أو رموز مميزة مفروضة من وحي السماء أو بأمر من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل بقيت في الأساس مكاناً يجتمع فيه المسلمون للصلاة وتداول شؤون المسلمين، لهذا جاءت النماذج الأولى للمساجد المبكرة في صدر الإسلام مجرد بناء ذي جدران مسقوفة بجذوع النخيل ومفروش بالجص، واستخدمت فيه مواد البناء المتاحة في البيئة مثل التخطيط الأول لمسجد قباء أول مسجد في الإسلام، مسجد الرسول بالمدينة ومسجد عمرو بن العاص.
عندما قويت دولة الإسلام في عصر الخلفاء الراشدين، ظهرت الفتوحات شرقاً وغرباً، دخل في الإسلام أبناء تلك البلدان المفتوحة، بقي الإسلام في تلك الفترات الأولى عقيدة تهتم بالجانب الروحي وانشغل الخلفاء الراشدون بنشر الإسلام، وظلت الروح الزاهدة والبسيطة الخالية من الزخرف هي الغالبة على عقل ونفس المسلم.
تطور العمارة الإسلامية:
استقر الإسلام في عصر الدولة الأموية، حيث سادت راية الإسلام وصارت دولة الخلافة الإسلامية قوة عظمى نافست قوى ذلك الوقت بل وأخضعتها، بلغت الدولة الإسلامية أقصى اتساع لها في عصر الوليد بن عبد الملك، هنا استقر الإسلام ليس كدين فحسب بل كأسلوب حياة وعقيدة، ظهرت الحاجة إلى التعبير كما جاء به الإسلام لخير البشرية من جانب، وللتميز عن الأقوام الأخرى والعقائد الأخرى بشكل مادي وملموس من الجانب الآخر، كما تميز عنهم الإسلام من الجانب الروحي، هنا ظهر أول طراز في الإسلام وهو الطراز الأموي نسبة لعصر بني أمية الذين حكموا العالم الإسلامي لمدة تقترب من القرن.
وقد تأثر الفن الأموي بالفن الساساني في إيران والفن البيزنطي في الشام، شيئاً فشيئاً تطور المعمار الإسلامي فظهر العديد من الطرز والأساليب الفنية، يمكن أن تقسم تلك الأساليب إلى طريقتين:
- الطريقة الأولى: حسب المكان، مثل الطراز المغولي بالهند، الطراز الأندلسي في الأندلس وهي طرز سادة في أماكن بعينها.
- الطريقة الثانية: حسب العصر مثل الطراز الأيوبي في مصر والشام، الطراز الفاطمي في مصر وبلاد المغرب العربي.
رغم تنوع الطرز والأساليب الفنية من عصر لآخر ومن مكان لآخر، لكنها جميعاً تتميز بالوحدة، فهناك ثوابت معمارية في كل الطرز المعمارية سواء من حيث التخطيط المعماري نفسه أو من حيث التصميم الداخلي، كما تطورت الأبنية المعمارية من حيث الشكل وتطورت من حيث احتياج المسلمون، فظهرت أبنية إسلامية لم تكن موجودة في العصور المبكرة، بل دعت إليها احتياجات المجتمع المسلم.
لم تكن العمارة الإسلامية من إنتاج أيدي عرب شبة الجزيرة العربية وحدهم، بل كانت نتاجاً من اختلاط العرب بالأقوام الأخرى، مثل القبط في مصر والروم في الشام والفرس في إيران، فقد قدم أبناء كل منطقة تراثهم المعماري وشخصيتهم وبيئتهم بالإضافة إلى تأثرهم الروحي والفكري بالإسلام، فظهر خليط معماري مميز استمر في التطور والرسوخ حتى تلخص من كل الطرز الغير عربية وأصبح الطراز العربي الإسلامي خالياً من التأثيرات الأجنبية وصار طرازاً قائماً في حد ذاته تتأثر به الطرز الفنية الأخرى، بعد ذلك انتشر الطراز المعماري الإسلامي في جميع أنحاء العالم، وكوّن عناصر معمارية خاصة به تتكرر في معظم تصاميمه.