ما هي أسباب التيارات البحرية ونظامها العام؟
يمكن تعريف التيارات البحرية على أنها عبارة عن مسيرات منتظمة للمياه السطحية للمحيطات وبعض من البحار الكبيرة، كما تتحرك عن طريقها قطاعات من هذه المياه بطريقة مشابهة جداً لحركة مياه الأنهار البطيئة الواسعة، حيث أنها تأخذ في مسيراتها اتجاهات معروفة، تفرضها عوامل مختلفة من أهمها اتجاه الرياح ودوران الأرض حول نفسها، شكل السواحل، كما أن لهذه التيارات آثار مناخية مهمة، حيث تختلف باختلاف طبيعتها، فهي إمَّا أن تكون دافئة فتعمل على تدفئة السواحل التي تمر بها، وإمَّا أن تكون باردة فتعمل على خفض درجة حرارتها.
كما تنشأ التيارات البحرية بنظامها المعروف نتيجة لعدد من العوامل؛ منها الرياح العامة التي تعتبر في الحقيقة من أهم العوامل على الإطلاق، وإلى جانبها توجد عوامل أخرى تعمل على تحريك المياه أو توجيهها بشكل خاص، ومنها اختلاف درجة حرارة المياه، كثافتها من مكان إلى آخر، ثم اختلاف منسوب الماء في بعض البحار المتجاورة؛ وذلك نتيجة لكثرة التبخر من سطح الماء في بعضها وكثرة ما ينصب في بعضها الآخر من مياه الأنهار والأمطار والثلوج المنصهرة.
كما يعتبر شكل السواحل أيضاً من العوامل المهمة التي تحدد الاتجاهات التي تسير فيها بعض التيارات البحرية، كما أن حركة الأرض حول نفسها تعمل بشكل مستمر على انحراف التيارات البحرية بطريقة متشابهة لانحراف الرياح وذلك حسب قانون فرل، ومعنى ذلك أن التيارات تنعطف قليلاً إلى يمين هدفها في نصف الكرة الشمالي، وإلى يساره في نصفها الجنوبي، إلّا إذا اضطرت بسبب شكل السواحل إلى أن تأخذ اتجاهات معينة.
كما يمكننا أن نوضح مدى تحكم الرياح العامة في نظام التيارات البحرية إذا ما قمنا بمقارنة خريطتي توزيع كل منهما في العالم، حيث أننا نرى بأن هناك توافقاً شديداً بينهما، ومن أجل توضيح هذه الحقيقة نبدأ مثلاً بتتبع الرياح التجارية ما بين خطي عرض 10 ْ درجة و 20 ْ درجة في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي على أحد المحيطين الأطلسي أو الهادي.
حيث أننا سنلاحظ أن هذه الرياح تدفع أمامها الطبقة السطحية من مياه الأجزاء الشرقية للمحيط على شكل تيارين مائيين يكون اتجاهما نحو خط الاستواء من جهة الشمال ومن جهة الجنوب، ونظراً لأن هذين التيارين ينتقلان إلى مناطق ذات حرارة أشد من المناطق التي يأتيان منها فإن مياههما تبدو باردة بشكل نسبي؛ ولذلك فإنها تساعد على تلطيف درجة السواحل التي تمر بجوارها.
وعندما يصل هذان التياران إلى قرب خط الاستواء فإنهما يقومان على تغير اتجاههما، كما يأخذان في التحرك باتجاه الغرب، فيتكون منهما تياران موازيان لخط الاستواء، وهما التيار الاستوائي الشمالي والتيار الاستوائي الجنوبي، وتكون مياههما قليلة الحرارة في أول الأمر، ولكنها تسخن بشكل تدريجي؛ وذلك بسبب الحرارة الشديدة داخل هذه العروض، وعندما يقابل هذان التياران الساحل الغربي للمحيط يتجه الأول منهما نحو الشمال بينما يتجه الثاني نحو الجنوب.
ونظراً لأن مياههما تكون حارة، فإنها تقوم بتدفئة السواحل التي تمر بها، كما أن هذان التياران يستمران في حركتهما باتجاه الشمال واتجاه الجنوب حتى خط عرض 40 ْ درجة أو 45 ْ درجة تقريباً، ثم يقومان بتغير اتجاههما نحو الشرق من خلال تأثير الرياح العكسية، فإذا ما وصلا إلى الجانب الشرقي من المحيط دفعتهما الرياح التجارية مرة ثانية نحو خط الاستواء، حيث تبدأ الدورة من جديد ويلاحظ أن جزءاً من مياه التيارات الاستوائية التي تصل إلى الساحل الغربي للمحيط يرتد نحو الشرق على طول خط الاستواء، وذلك على شكل تيار يطلق عليه اسم التيار الاستوائي الراجع أو العائد.
وإلى جانب الدورة التي قمنا بتوضيحها توجد كذلك تيارات ذات برودة تقوم بدفعها الرياح القطبية نحو الجنوب بشكل عام داخل نصف الكرة الشمالي، وباتجاه الشمال في نصفها الجنوبي، كما أننا نلاحظ مع ذلك أن الدورة السابقة تتغير نوعاً ما في المحيطات المختلفة على حسب الظروف الخاصة بكل منها، وذلك من حيث الاتساع وشكل السواحل ونظام هبوب الرياح وغيرها.
وكما نلاحظ أيضاً بشكل عام أن التيارات الرئيسية في المحيطات المختلفة تتزحزح نوعاً ما باتجاه الشمال في فصل الصيف الشمالي، وباتجاه الجنوب في فصل الشتاء، وذلك يكون تبعاً لحركة الشمس الظاهرية، شأنها في ذلك شأن النطاقات العامة لدرجة الحرارة والضغط الجوي والرياح.
