ما هي التغيرات البيئية الناتجة عن نشاط الإنسان؟
يمثل النظام الحيوي تجمعات متنوعة من النباتات والحيوانات تتقاسم ببيئة مشتركة، ومن ثم تستقل كوحدات قوية الارتباط بعضها مع بعض، وتنتظم التجمعات الحيوية في بيئات مختلفة تتميز بفعل عوامل بيئية كالمناخ (الأمطار ودرجة الحرارة) والتربة والموارد المائية وغيرها، كما يصل التجمع الحيوي النباتي مثلاً إلى ذروة التجمع الأيكولوجي خلال عمليات التعاقب.
وحين يكون التجمع في مرحلة الذروة يكون النظام النباتي مستقراً نسبياً وتكون تدفقات الطاقة أكثر اتزاناً، كما أن التجمع الناضج يكون أكثر تنوعاً وتبايناً وتقل فرصة تعرضه لكوارث بيئية في التوازن الحيوي فيه، وحين يتعرض تجمع الذروة إلى ضغوط بيئية بشرية أو طبيعية فإن العملية الوحيدة التي يلجأ إليها التجمع حتى يستعيد كيانه هي عملية التعاقب التي قد تستغرق مئات أو آلاف السنين حتى يصل التجمع النباتي إلى مرحلة الذروة.
ولمجرد أن يتعرض تجمع ناضج إلى تغيرات بيئية تظهر فيه عملية التدهور والتدمير بسرعة، وتكون دائماً بمقياس عمر الإنسان، وهناك عدة أنشطة بشرية تؤدي إلى إحداث تغيرات بيئية تتولد عنها ضغوط بيئية لهذة التجمعات الطبيعية وأهم تلك الأنشطة وهي ما يلي:
- نار الحرائق: تعتبر النار ظاهرة طبيعية يمكن أن تحدث في أي نمط بيئي أرضي أو مائي؛ وذلك بسبب تراكم بقايا النباتات أو النباتات نفسها، حيث أنها تصبح قابلة للاشتعال، وتحت هذه الظروف يمكن أن يسبب البرق أو الإنسان في اشتعال الحرائق التي يصعب أحياناً السيطرة عليها، وعلى الرغم من أن الحرائق تمارس دوراً تدميرياً في الطبيعة، إلا أنه لا يمكن النظر إليها دائماً على أنها كذلك، إذ تغيرت النظرة إلى الحرائق وموضع حرق الغابات الطبيعية خلال المئة سنة الأخيرة في الولايات المتحدة.
كانت كوارث الحرائق التي حلّت في المدن ذات المساكن الخشبية أو الغابات الواقعة شمال شرقي الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر دافعاً جعل الرأي العام الأمريكي يحذر من أخطار اندلاع الحرائق، وعندما جرى تسجيل أول مراقبة للأشجار الصنوبرية طويلة الأوراق وجد أن تكاثرها ضعيف جداً، وعندما اندلعت الحرائق في أول مرة سرعان ما تمت السيطرة عليها ثم توقف بعد ذلك تكاثر الأشجار الصنوبرية تماماً.
وبعد سبع سنوات نمت أشجار صنوبرية ذات قدرة فائقة على عدم التأثر بنيران الحشائش، إذ عندما كانت تحصل حرائق تسرع النيران مارة من حولها دون أن تلحق الأذى ببراعم تلك الأشجار، وفي السنوات الثلاث التالية ينمو نبات الصنوبر بسرعة ليست عادية حتى يصل ارتفاعه إلى 5 أمتار، أي إلى الحد الذي ترتفع أشجاره فوق متناول نيران الحشائش العادية.
ولذلك بدأ الجغرافيين استخدام الحرائق الأرضية الدورية في بيئة الغابات الصنوبرية؛ لمنع إعادة الأنواع الأخرى من الصنوبريات غير المرغوب فيها من ناحية اقتصادية، كالصنوبريات ذات الأخشاب الأقل صلابة والأقل جودة التي قد تزاحم الأنواع الصنوبرية طويلة الأوراق في أماكن نموها، وبدون الحرائق كانت الأنواع سريعة التأثر بالنيران من النمو السريع، ممَّا يحجب الضوء عن صغار الأشجار الصنوبرية طويلة الأوراق المرغوب فيها. - إخلاء الأرض الزراعية: يُعد إخلاء الأرض للزراعة من الناحية التاريخية من أهم العوامل التي تسببت في اضطراب الحياة البرية، وتوجد اتجاهات مختلفة في دول العالم حول عملية تفريغ الأرض للزراعة، ففي الولايات المتحدة وأيرلندا واليابان يوجد اتجاه للتقليل الفعلي لمساحات الأراضي الزراعية، مع التركيز على التكنولوجيا في رفع الطاقة الإنتاجية للأرض بدون زيادة المساحة، وعلى العكس من ذلك نجد دولاً أخرى كالهند والصين والدول الأخرى المكتظة بالسكان تتجه إلى زيادة الضغط على الأراضي وزراعة ما يمكن استزراعه نظراً لضعف إمكانياتها التكنولوجية.
ومن جهة ثالثة تبقى الصحاري الدفيئة وبيئة الغابات في المناطق الاستوائية في حوض الأمازون وجنوب شرقي آسيا وجنوب الصحراء الأفريقية من أهم المناطق التي يهددها التوسع الزراعي في الوقت الحاضر، إذ يمكن أن تتحول الصحاري إلى مناطق زراعية وذات إنتاج قوي إذا توافرت المياه العذبة، ويعتقد أن ذلك ممكن باستغلال المياه الجوفية وتحلية مياه البحر باستعمال الطاقة الشمسية والنووية، حيث تصبح عملية استثمار الصحاري عملية اقتصادية، وهو أمر محتمل في العقد المقبل.
وتثير مسألة التوسع الزراعي داخل الغابات الاستوائية عدداً من المشكلات الجغرافية، إذ لا يكون هناك ضمان بإمكانات التوسع على نطاق كبير؛ وذلك يعود إلى قساوة التربة وتحجرها بعد إخلائها من الغابات في البيئة الاستوائية، حيث يؤدي اقتلاع مساحات كبيرة من الغابات في البيئة الاستوائية إلى التغير في مناخ الغابة، ومن أهم عناصر التغير هو ارتفاع درجات الحرارة ونقص معدلات الأمطار السابقة.