دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ:
إن دراسة القيمة الفعلية لعناصر المناخ تعتبر من الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي، حيث رأى كثير من الباحثين الجغرافيين ليس في علم المناخ وحده بل وفي بعض العلوم الأخرى التي تتصل به أن المعدلات المناخية التي تم نشرها من محطات الأرصاد الجوية كثيراً ما تعطي صورة غير صحيحة لحقيقة العلاقة بين عناصر المناخ من جهة ومظاهر الحياة المختلفة فوق سطح الكرة الأرضية من جهة أخرى، فمجرد معرفتنا لكمية الأمطار التي تسقط في مكان ما لا تفيدنا كثيراً إلا إذا عرفنا القيمة الفعلية لهذه الكمية.
فقد تتساوى كمية الأمطار التي يتم سقوطها سنوياً في مكانين معينين، ولكن الأثر الذي تحدثه هذه الكمية قد يختلف في أحد المكانين اختلافاً واضحاً عنه في المكان الآخر، حيث برجع ذلك إلى أن الأمطار تخضع بعد سقوطها على سطح الكرة الأرضية لعدة عوامل هي التي تعمل على تحديد الفائدة التي يمكن للأنواع المختلفة من الحيوان والنبات أن تحصل عليها منها.
كما أن جزء من هذه الأمطار يضيع بالتبخرعند انحداره فوق سطح الكرة الأرضية أو تجمعه في المنخفضات والمجاري النهرية، كما يوجد أيضاً جزء آخر يتسرب في التربة، وربما يصل إلى أعماق بعيدة جداً يستحيل معها الاستفادة به، وجزء آخر ينحدر في مجاري الأنهار، حيث يصل إلى المحيط أو البحر، كما تختلف المقادير التي تضيع من مياه الأمطار؛ وذلك بسبب العوامل السابقة من منطقة إلى أخرى وحسب الظروف المحلية الموجودة في منطقة وخاصة فيما ما يتعلق منها بدرجة الحرارة، توزيع الأمطار الفصلي، نوع الرياح، خواص التربة وأيضاً انحدار سطح الأرض.
كما يُعتبرالعالم كوبن الألماني من أشهر الباحثين الجغرافيين الذين وجهوا النظر منذ أوائل القرن الحالي إلى ضرورة الاهتمام بتقدير القيمة الفعلية للأمطار عند دراسة المناخ، في الولايات المتحدة تقدمت الدراسات المناخية على أسس رياضية على يد العالم (Thornthwaite) الذي اقترح تقسيمه المناخي المعروف في عام 1948، حيث أصبح هذا التقسيم في وقتنا الحاضر من أكثر التقسيمات المناخية الحديثة استخداماً في جميع جهات العالم.
وقد بناه على أسس جديدة اعتمدت على توضيح العلاقة بين الأمطار وما يذهب منها عن طريق التبخر والنتح، والذي يقال عن الأمطار يمكن أن يقال عن درجة الحرارة، فليست جميع درجات الحرارة لها نفس القيمة من حيث أثرها في حياة النبات، فلكل نوع من أنواع النباتات حد أدنى وحد أعلى لدرجة الحرارة التي يستطيع أن ينمو فيها، كما أن سرعة نمو النبات قد تكون في درجة حرارة معينة أسرع منها في الدرجات الأخرى.
كما يحتاج كل نبات إلى مجموعة من الوحدات أو الدرجات الحرارية التي يجب أن تتوفر خلال فصل النمو، كما أن الضوء يُعتبرعاملاً مهماً ومساعداً لدرجة الحرارة، بمعنى أن النبات الذي ينمو في منطقة ممعينة قد يحتاج لكي يتم نموه ونضجه إلى عدد من الوحدات الحرارية الكبيرة، ممَّا يحتاجه نفس النبات لو كان نموه في منطقة أخرى نصيبها من ضوء الشمس يساعد عادة على زيادة سرعة نمو النبات.
حيث أن هذه الحقيقة مهمة جداً من أجل الزراعة داخل العروض العليا، حيث يزداد طول النهار في فصل الصيف وهو يُسمَّى بفصل النمو، فكلما اقتربنا من الدائرة القطبية يتزايد بعد ذلك مقدار ما تستفيده الكرة الأرضية من أشعة الشمس، كما ساعد هذا على نجاح زراعة بعض غلات المناطق المعتدلة مثال على ذلك القمح في الأقاليم الباردة، حيث يعتبر (B.E.Livingston) من أول باحثين العلوم الذين كان لهم فضل في النظر إلى أهمية القيمة الصحيحة لدرجات الحرارة المختلفة وتقديرها، وأيضاً تأثير كل منها في حياة النبات.
كما أن هذا الاتجاه الحديث من أجل أن نقدر التأثير الفعلي للعناصر المناخية قد فرض على الباحثين في علم المناخ أن يقووا صلتهم في العلوم الأخرى وأن يستفيدوا أيضاً من النتائج العلمية التي يتوصل إليها غيرهم من الباحثين، خصوصاً في علم النبات وعلم الزراعة وعلم هندسة المياه (الهيدرولوجيا)، فهكذا بدأ علم المناخ يوسع اختصاصاته، حيث بدأ يستخدم فيه أسماء جديدة ذلك مثل كل من القيمة الفعلية أو التأثير الفعلي للأمطار (Precipition Effctiveness) أو التأثير الفعلي لدرجة الحرارة (Temperature Efficiency) والحرارة التي تتجمع (Accumulated Temperature) وصفر النمو (Zero point of Growth)، التبخر والنتح وهو ما يطلق عليه كذلك تعبير (التبخر الكلي).