يقدم تاريخ علم الآثار مثالاً مناسباً على الأهمية الكبيرة للماضي للهويات الجماعية، حيث نشأ علم الآثار كنظامٍ أكاديمي في القرن التاسع عشر في العصر العظيم للدول القومية الأوروبية، كما أنه ارتبط منذ بدايته ارتباطا مباشراً بالسياسة وترسيخ أصول شعوبها الوطنية في الماضي البعيد.
تاريخ علم الآثار
يعود تاريخ نشأة علم الآثار إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر في أوروبا تحديداً في اليونان وروما، حيث ترجع أصول كلمة “علم الآثار” من الكلمة اليونانية “Arkhaios” والتي تعني قديم، حيث إنه ظهر عندما نظر إنسانيو عصر النهضة إلى أمجاد هذه المدن العريقة، كما بدأ الأشخاص النبلاء والباباوات في إيطاليا في جمع الآثار والاهتمام بالحفريات للعثور على المزيد من الأعمال الفنية.
إلى جانب ذلك فقد تم تقليد الأشخاص الذين قاموا بجمع هذه الأعمال القديمة من قبل أشخاصٍ آخرين في شمال أوروبا كانوا مهتمين بالمثل بالثقافة القديمة، والذي بالرغم من ذلك لم يكن هذا النشاط علماً للآثار بالمعنى الدقيق للكلمة، حيث كان الأمر أشبه بما يسمى بجمع الفن في وقتنا الحاضر.
بدأ علم الآثار الصحيح بالاهتمام بالإغريق والرومان وتطور لأول مرة في إيطاليا في القرن الثامن عشر مع التنقيب في مدينتي بومبي وهيركولانيوم الرومانيتين، حيث تم إنشاء علم الآثار الكلاسيكي على أساس أكثر من علمية، من خلال عمل هاينريش شليمان، الذي بحث في أصول الحضارة اليونانية في طروادة وميسينا في سبعينيات القرن التاسع عشر.
مؤسس علم الآثار
كما ذكرنا في الأعلى فإن علم الآثار بدأ في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث بدأ المحققون الأثريون مثل؛ “Cyriacus of Ancona”و “Flavio Biondo” و “John Leyland” و “William Camden”، في الاهتمام بأعمال الحفر القديمة والمباني المحيطة بها، وبدأ التنقيب عن الكتاب المقدس في بريطانيا، حيث كانت فلافيا جوليا هيلينا أوغوستا والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، وشخصيةً مهمةً في تاريخ المسيحية المبكر قد أشرفت على العمل الميداني في القدس، في البحث عن دليلٍ عن حياة وموت يسوع، ونتيجةً لهذه الحفريات تسمى هيلينا ” أم أو القديس الراعي” لعلم الآثار.
وفي وقت سابق، قد يُنظر إلى الملك البابلي نابونيدوس، الذي حكم في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، على أنه أب علم الآثار، وفي كتاباتٍ أخرى كان ” Ciriaco de pizzicolli” عالماً إنسانياً وتاجراً إيطالياً يعتبره الكثيرون مؤسس علم الآثار الحديث، حيث تم تبرير ذلك من خلال أعماله التي تبحث في عديدٍ من القطع الأثرية.
تطور علم الآثار في القرن العشرين وما بعده
شهد علم الآثار تطوراً كبيراً في القرن العشرين إلى مناطقٍ مختلفة في جميع أنحاء العالم، حيث كشفت الحفريات في موهينجو دارو وهارابا، في باكستان الحالية عن وجود حضارة إندوس ما قبل التاريخ، وفي أواخر العشرينات من القرن الماضي أثبتت أعمال التنقيب في آن يانغ بشرق الصين، وجود ثقافة صينية في عصور ما قبل التاريخ يمكن تحديدها مع سلالة شانغ من السجلات الصينية المبكرة، كما شهد القرن العشرين زيادةً كبيرة في المعرفة الآثارية عن أمريكا ما قبل التاريخ، حيث كان هنالك تقدمان مذهلان هما اكتشاف أصل المحاصيل المستأنسة (بما في ذلك الذرة)، في أمريكا الوسطى وحضارة أولمك في المكسيك التي تعتبر أقدم حضارة في حضارات العالم الجديد.
وأدى التطور الكبير في علم الآثار إلى إنشائه كنظامٍ أكاديمي، حيث يتم تدريسه في أغلب الجامعات في أي مكانٍ في العالم، حيث يوجد الآن عدداً كبيراً جداً من المجلات العلمية في هذا المجال، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الكتب والمجلات المشهورة التي تحاول سد الفجوة بين المحترفين وغير العاديين.