الفكر المناخي منذ أوائل القرن العشرين:
منذ بداية هذا القرن كان الاتجاه المعروف في دراسة المناخ هو محاولة وجود تقسيمات مناخية لسطح الكرة الأرضية، وذلك بالاعتماد على الإحصاءات المناخية التي تتوفر لعناصر المناخ الرئيسية في بعض الدول وعلى مظاهر الحياة النباتية الطبيعية التي يمكن أن نستدل بها على نوع المناخ في الأقاليم التي لا تتوفر فيها إحصاءات مناخية كافية، مثل الأقاليم الصحراوية وشبة الصحراوية الواسعة في العروض المدارية والأقاليم الواقعة في العروض القطبية.
كما كانت التقسيات المناخية تعتمد في مراحلها الأولى على مقارنة المعدلات المناخية لعناصر المناخ دون التعقد في تحليلها لمعرفة اختلافاتها المحلية في مناطق صغيرة أو معرفة القيم الفعلية لهذه العناصر ومدى تأثير كل منها على الآخر، وبمقتضى هذا الاتجاه أمكن وضع تقسيمات عامة لسطح الكرة الأرضية على أساس الاختلافات المناخية الرئيسية.
كما ظهرت على أساس هذه التقسيمات فكرة تقسيم العالم إلى عدة أقاليم طبيعية، هي الفكرة التي قام بتبنيتها الجغرافي البريطاني هربرتسون في سنة 1905 ميلادي، في هذه المرحلة كان الاهتمام الرئيسي لعلماء المناخ هو توزيع المعدلات المناخية الحسابية على خريطة العالم أو خرائط القارات، كما تم توصيل الأماكن التي تتساوى فيها المعدلات الشهرية أو السنوية بخطوط يطلق عليها بصفة عامة اسم (خطوط الظاهرات المتساوية Isopleths أو Isograms).
ومن أهم هذه الخطوط هي خطوط الحرارة المتساوية (Isotherms)، خطوط الضغط المتساوية (Isoars)، أيضاً خطوط المطر المتساوي (Isohyets) وبالاعتماد على هذه الخطوط تم تقسيم الكرة الأرضية إلى عدة أقاليم حرارية ونطاقات للضغط الجوي والرياح، كما تم تقسيمها في النهاية إلى أقاليم مناخية لكل منها صفات مناخية عامة مشتركة.
وقد كشف هذا الاتجاه عن ظهور عدة تقسيمات مناخية لسطح الكرة الأرضية، بعضها تقسيمات بسيطة تعتمد على توزيع درجة الحرارة وتوزيع الأمطار، حيث تستخدم فيها خطوط الحرارة المتساوية التي تمثل المعدلات الحرارية عند مستوى سطح البحر كحدود عامة لهذه الأقاليم، مثل هذه التقسيمات تصلح لدراسة مناخ القارات والأقاليم الكبرى دراسة مناخية عامة.
ومثال على ذلك التقسيم الذي اقترحه ديمارتون في فرنسا سنة 1925، التقسيم الذي اقترحه أوستن ملر في بريطانيا سنة 1936 والذي لا يختلف كثيراً عن تقسيم ديمارتون، إلى جانب هذه التقسيمات البسيطة ظهرت تقسيمات أخرى أكثر تفصيلاً وتعقيداً، ففي ألمانيا اقترح العالم كوبن تقسيماً ربط فيها بين التوزيع الفصلي لكل من عنصري الحرارة والأمطار وذلك من أجل تقدير شدة الجفاف وشدة الحرارة أو البرودة وأيضاً علاقة هذا التوزيع بنوع الحياة النباتية الطبيعية.
وفي الولايات المتحدة أيضاً اقترح العالم ثورنثويت في سنة 1948 ميلادي تقسيماً مبنياً على حساب الميزانية المائية التي تستخدم فيها معدلات الأمطار وما يضيع منها بالتبخر والنتح، إضافة إلى ذلك حساب القيمة الفعلية لدرجة الحرارة، كما يمثل هذا التطور في تصنيف الأنواع المناخية بداية للمرحلة الحديثة في دراسة المناخ.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لكل هذه التصنيقات فإنها لم تعد كافية لمسايرة التطورات الحديثة في دراسة المناخ، حيث أن التطورات التي فرضتها الحاجة المتزايدة إلى الاستفادة من دراسة المناخ في مختلف المجالات التطبيقية، أيضاً في مختلف الدراسات العلمية الأخرى التي يكون لها صلة في المناخ، ذلك بعد أن أصبحت معظم الدراسات العلمية متشابكة بحيث لم يعد أي منها يستغني عن الآخر.
ولا شك فيه أن دارسين العلوم مثل علوم الزراعة، الحيوان، النباتات، هندسة المياه، إيكولوجيا الأمراض، حماية البيئة وتخطيط المدن وغيرها، حيث أن جميعاً تحتاج إلى أساس مناخي يتوقف على طبيعة كل علم منها وأيضاً طبيعة الموضوع الذي يتطلب دراسته، مع ذلك فإن الربط بين المناخ وهذه العلوم كان حتى وقت قريب غير واضح بالصورة الكافية؛ وذلك لأن المناخ كان يعالج غالباً كعلم مستقل حتى عن بقية العلوم المناخية.
على الرغم من أن علم المناخ لم يكن خلال النصف الأول من القرن العشرين بنفس السرعة التي سار بها علم المتيورولوجيا، حيث أخذت البحوث المناخية تتقدم بسرعة منذ أول النصف الثاني من هذا القرن كما يوجد بعض الاتجاهات المعاصرة في الفكر المناخي وأهما ما يلي:
- دراسة القيمة الفعلية (أو التأثير الفعلي) لعناصر المناخ.
- دراسة تفاصيل المناخ بكل عناصره في أماكن معينة وظهور ما يعرف بإسم (علم المناخ التفصيلي).
- دراسة دور المناخ في مظاهر النشاط البشري المختلفة حيث عرف باسم علم المناخ التطبيقي.
- استخدام الاسلوب الكمي؛ وذلك لمعالجة العلاقات الزمنية والمكانية لعناصر المناخ.