تاريخ التنبؤ الجوي:
لا توجد ناحية من نواحي الحياة البشرية لا تتأثر بالطقس، فالطقس يؤثر على كل نواحي الحياة، فالزراعة والصناعة والرعي وصحة الإنسان وغيرها من نواحي الحياة تتأثر بالطقس إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وربما هذا التأثر كان في الماضي أشد ممَّا هو عليه في الوقت الحاضر، لذلك حاول الإنسان التنبؤ بالظواهر الطقسية وكيف ستكون غداً أو بعد فترة قصيرة وصلت العاصفة الهوجاء وغطت المنطقة.
فقال جامع المعلومات لنفسه إنها صدفة، بعد ذلك بفترة وقبل انتصاف الليل دخل كلب القبيلة إلى بيت الشعر وجلس في موقد لأسبوع قادم أو شهر قادم منذ آلاف السنين، ففي عام 650 قبل الميلاد تنبأ البابليون بالطقس من خلال شكل الغيوم فقد كانت الهالة حول القمر تعني أهن سيكون غداً يوم ممطر، وفي 340 قبل الميلاد شرح أرسطو حالة الجو في كتابه المترولوجيا (Meteorologica)، بينما تنبئ الصينيون بالطقس منذ 300 قبل الميلاد، لقد كانت نظرية التنبؤ في الماضي تعتمد على خبرة المتنبئ بحالة الجو في منطقة معينة، وكذلك على مرافقة الظواهر الجوية لبعض الظواهر الفلكية.
فعلى سبيل المثال، لاحظ القدماء أن غروب الشمس إذا كان أحمر، فإن اليوم التالي سيكون طقسه حسناً، مثل هذه التجارب والمشاهدات تكدست في الذهن وبني عليها ما يعرف بالتنبؤ حسب الظاهرة، بالتأكيد لم تكن كل هذه التوقعات صحيحة، فالغلاف الغازي أعقد من ذلك بكثير وهناك رواية تروى عن خبرة الرعاة ببعض حالات الجو أو ما سيكون عليه الجو للساعات القادمة، فقد رافق أحد جامعي المعلومات عن الجو بواسطة الأجهزة إحدى قبائل البدو في المنطقة الغربية من العراق.
وفي يوم من الأيام بعد الظهر جاء إلى شيخ القبيلة من يسره بشيء، أصدر شيخ القبيلة على إثرها أمراً إلى أفراد قبيلته أن يأخذوا حذرهم واستعدادهم لأن عاصفة هوجاء قادمة، هرع جامع المعلومات إلى أجهزته المتكونة من البارومتر والمحرار ودوارة الرياح فلم يقرأ فيها ما ينبئ بذلك، ولكن النار التي تم إطفائها قبل قليل لليلةٍ باردة ونهار بارد ستكون،غداً فنهض الشيخ ليقول لأفراد قبيلته أن يستعدوا جيداً وهرع مرة أخرى جامع المعلومات إلى أجهزته ولم يجد ما ينبئه بشيء.
وحدث في اليوم التالي ما تنبئ به الشيخ وعندها اقتنع جامع المعلومات بأن هناك شيء ما مبني على الملاحظة وليس على التسجيل، فذهب يسأل الشيخ عن ذلك، فقال له الشيخ في المرة الأولى لاحظنا تسارع الحشرات الأرضية إلى الاختباء في جحورها علماً أن المساء لم يحل بعد ونعلم من التجربة أن الحشرات لا تختبئ في النهار إلاّ إذا كانت هناك عاصفة قادمة، أما الظاهرة الثانية فإن كلب القبيلة لا يدخل بيت الشعر مطلقاً إلّا إذا كان هناك هواء بارد قادم والعلم الحديث يقول من الصعب التنبؤ عن طريق الأجهزة بالظواهر الصغيرة كالتورنادو والعاصفة الترابية المحدودة وغيرها من الظواهر التي لا تكون بحجم كبير.
بدأ التنبؤ الجوي الحديث عام 1837 م عندما اخترع التلغراف، فقبل هذا الوقت لم يكن من الممكن تبادل المعلومات بين المناطق بسرعة أسرع من سرعة القطار البخاري، علماً أن عدد من الظواهر الطقسية تتبدل بسرعة أسرع من سرعة القطار البخاري، لذلك وفر التلغراف طريقة سريعة جداً لجمع المعلومات من المناطق المجاورة على الأقل ومناطق أخرى بعيدة بسرعة كبيرة جداً لمعرفة كيف هي حالة الطقس في المناطق التي على مجرى الهواء، يعتبر العالمان فرانسس بوفورت وروبرت فتزروي اللذان كانا يعملان في البحرية البريطانية رائدين في مجال التنبؤ الحديث، حيث لا زالت طريقتهما في التنبؤ معمول بها حتى الوقت الحاضر.
فقد اعتمدا على نظرية الكتل الهوائية وحركتها في التنبؤ الجوي، كما أن جمع المعلومات وإنزالها على الخريطة يسمح للمتنبئ الجوي أن يكوّن صورة واسعة عن حالة الجو في تلك اللحظة، باستخدام المعلومات المتوفرة عن القراءات السابقة يمكن معرفة موقع الجبهة الهوائية وسرعة تحركها واتجاه الحركة، وبذلك يمكن التنبؤ بالحالة الجوية القادمة ما كان ينقص هذه الطريقة في التنبؤ هو التغير المفاجئ في حركة المنخفض أو المرتفع الجوي، مما يؤدي إلى تغيير شامل في حركة الظواهر الجوية، شهد علم الأنواء الجوية في القرن العشرين تطوراً كبيراً مما ساعد على إيجاد فهم أفضل للظواهر الجوية وللغلاف الغازي وبالرغم من أن هذا الفهم غير مكتمل إلّا أن هذا التطور ساعد على ظهور فكرة التنبؤ الرقمي للطقس.