المرحلة الوسطى في تطور الجغرافيا الطبيعية:
لعل من أهم ملامح عصر النهضة خلال عام ( 1400 – 1600 )، هو انتشار رحلات الاستكشاف بتمويل من الحكومات الأوروبية، ذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، لكن وفَّرت هذه الرحلات أيضاً فرصاً للدراسات العلمية والاستكشاف، بالتالي تميزت بمساهمتها في إثراء المعرفة الجغرافية. حيث من المعروف أن الرحلات البرية والبحرية شاركت منذ عهد الفنيقين في تطور الفكر الجغرافي، من خلال زيادة معرفة الإنسان بالعالم إلا أن فضل هذه الرحلات في توسع الأُفق الجغرافي كان واضحاً خلال عصر الكشوف الجغرافية، حيث تم اقتران هذه الفترة بأشهر رحلات الاستكشاف التي قادها مكتشفون مثل كولمبس، داغاما، ماجيلان، كارتيير فروبشير، دريك ، كابوت وغيرهم من المكتشفين.
كما ارتبطت أيضاً باختراع مارتن بيهام كرة أرضية ثلاثية الأبعاد، قد شكَّل هذا الاختراع نقلة كبيرة أمكن من خلالها التعامل مع شكل الأرض وما يوجد على سطحها من مظاهر بطريقة واقعية مقارنة بالخرائط المسطحة. لكن خلال القرن 71، نشر فارينيوس كتابُه (الجغرافيا العامة) والذي ظل أهم مصادر الجغرافيا لمدة قرن كامل. وميّز فارينيوس في كتابه بين جغرافية العالم وبين الجغرافيا الإقليمية، كما استخدم ملاحظات مباشرة إلى جانب قياسات أساسية في تقديم كثير من الأفكار الجغرافية.
واقترح أيضاً تقسيم علم الجغرافيا إلى ثلاثة فروع، حيث يختص الفرع الأول بشكل الأرض وأبعادها، كما يتناول الفرع الثاني المد والجزر والتباين الوقتي والمكاني للمُناخ، قد شكَّل هذان الفرعان البدايات الأولى لما يعرف حالياً بالجغرافيا الطبيعية، يتناول الفرع الثالث بالدراسة أقاليم مميزة على الأرض باستخدام الدراسات الحضارية المقارنة.
وجاء بعد ذلك ما صنف كأحد أهم الأحداث خلال نهاية القرن الثامن عشر، بالنسبة للمعرفة الإنسانية ككل وللجغرافيا بوجه خاص، وهو الاقتراح الذي وضعه الفيلسوف الألماني (كانت) والقاضي، بإمكانية تنظيم المعرفة الإنسانية باستخدام ثلاثة طرق، هي أن تُصنَّف هذه المعرفة وتدرس بناء على طبيعة الموضوع قيد الدراسة، مثلاً علم النبات، علم الحيوان، الجيولوجيا، أو وفقاً لبعدها الزمني، مثل الدراسات التاريخية، أو أن تدرس الحقائق وتفهم من ناحية علاقاتها المكانية، هو حقل المعرفة الجغرافية. كما قسَّم كانت الجغرافيا إلى عدة فروع ثانوية مثل الجغرافيا الطبيعية، الرياضية، السياسية، التجارية.