كما يُقال الحكمة ضالة المؤمن متى وجدها ينتفع بها، والله سبحانه يؤتيها من يشاء من الناس: قال تعالى: ” ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتى خيرًا كثيرًا “، والحكم والأمثال تحظى في تراثنا العربى بحظ وافر وفيض غامر، زخرت به عصور الأدب العربى من العصر الجاهلى إلى يومنا هذا، وإن كثيرًا من أبيات الشعر وشطورها قد جرت على ألسنة كثير من الناس حتى اتخذت مأخذ الأمثال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن من البيان لسحرا”، ويقول: “وإن من الشعر لحكمة”.
الأمثال مفردها مثل، والمثل كما ورد في المعجم الوسيط هو: جملة من القول أُقتطعت من كلام، أو أُرسلت بذاتها، تُنقل ويتداولها الناس من الموقف الذي وردت فيه إلى مواقف مشابهة دون تغيير، والذي يتتبع الكثير من أمثال العرب وأقوالهم المأثورة، وحكمهم الشائعة، فسيجدها فى الأصل كانت بيت شعر لأحد الشعراء أو شطرًا من بيت فى إحدى القصائد؛ وقد يكون بعضها ورد على ألسنة الأدباء والشعراء.
لمَ يُضرب مثل: اليوم خمر وغدًا أمر؟
ذاكرة العرب زاخرة بكثير من الأمثال والتي ارتبط قولها بمواقف وقصص ذكرها التاريخ، وضمتها صفحات الكتب، وأما المثل الذي بين أيدينا فهو ” اليوم خمر، وغدًا أمر “، فيضرب عند انشغال الشخص بعمل شيء ما، وانهماكه الشديد فيه حتى وأن جاءه أمر آخر أشد أهميه فلا يعطيه الاهتمام حتى يكمل ما يفعله.
قصة مثل اليوم خمر وغدًا أمر:
أما قائل هذا المثل فهو الشاعر الجاهلى المشهور امرؤ القيس، وقد كان كان امرؤ القيس من قبيلة يمنية، اسمها قبيلة كندة، وكان أبوه هو الملك حُجر، وقد قام أبوه بطرده، وأقسم عليه بألا يعيش معه، فخرج امرؤ القيس هائمًا على وجهه فى أحياء العرب هو وأصحابه، فكان إذا صادفه صيد، ذبحه وأكله هو ومن معه، وعند الانتهاء من الصيد وأكله كان يشرب الخمر مع رفاقه حتى أتاه خبر مقتل أبيه.
كان والد امرئ القيس قد أوصى وهو في آخر أنفاسه، أن يُمنح الحكم من بعده لمن يأخذ خبر موته دون جزع، ولما سمع أبناؤه خبر مقتل أبيهم، وقد جزعوا جميهم إلا امرأ القيس، فقد كان فى مجلس مع رفاقه يلعب النرد ويشرب الخمر، وعندما قيل له خبر وفاة أبيه لم يهتم لما قيل، وأكمل لعبه وطلب من رفيقه أن يرمي النرد، فلما لعب قال له: ما كنت لأفسد عليك لعبتك، ثم نظر إلى الناعي، وقال: ضيعني صغيرًا وحملني دمه كبيرًا، لا صحو اليوم ولا سُكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، وأخذ امرؤ القيس يشرب الخمر كثيرًا حتى أفاق وأخذ على نفسه عهدًا ألا يأكل ولا يشرب خمرًا ولا يقرب من النساء حتى يثأر لأبيه.
