تَخِرُّ له الأبدان وتَتقَعقَعُ القلوب، تخشاه الجبابرة؛ وتخافهُ المخلوقات، يقرع الباب دون استئذان، ليعلن عن القدر الإلهي المحتوم الذي قدَّره الله للإنسان على هذه الأرض، باختلاف أسبابه ومسبباته وباختلاف السنين والأعمار، فاصل زمني قصير بين الميلاد والموت مهما امتدَّ عمر الانسان؛ ومهما امتلك من المال والأولاد والجاه والسلطان، في لحظة يصبح الانسان الحي المفعم بالآمال والطموحات كورقة تذروها الرياح الى عالم المجهول، وكأنه لم يكن، ولايبقى إلا ذكره ومناقبه، عندها يأتي قوله تعالى:(كُلُّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجهَهُ).
صاحب المقولة
أبو حفصعمر بن الخطاب بن نُفَيل بن عبد العزى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. وفي كعب يجتمع نسبه مع نسب النبي_ صلى الله عليه وسلم_. وأمّهُ هي حَنتمة بنت هشام المخزومية، وهي ابنة عمّ كلٍ من إمّ المؤمنين أم سَلمَة، والصحابي خالد بن الوليد، وعمرو بن هشام المعروف بلقب أبي جهل.
وهو ابن عمّ زيد بن عمرو بن نُفيل المُوّحد على دين إبراهيم_ عليه السلام_. وأخوه الصحابي زيد بن الخطاب؛ شهيد معركة اليَمَامة، والذي كان قد سَبق عمر إلى الإسلام.
نشأته
ولد بعد عام الفيل، وبعد مولد الرسول محمد_ صلى الله عليه وسلّم_ بثلاث عشرة سنة. وكان بيت عمر في الجاهليّة في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عُمر بجانب الكعبة، وكان اسم الجبل في الجاهلية العَاقِر وبه منازل بني عَديّ بن كعب.
نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلم القراءة والكتابة. وعمل راعياً للإبل وهو صغير، وكان والده غَليظاً في مُعامَلته. وكان يرعى الأبل لوالدهِ ولخالات له من بني مخزوم. وتعلّم المُصَارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يَحضُر أسواق العرب وسوق عكاظ وسوق مِجَنَّة وسوق ذِي المِجَاز، فتعلم بها التِّجارة التي ربح منها وأصبح من أغنياء مكة.
كان عمر من أشراف قريش، وإليه كانت السِفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً، وإنْ نَافرَهم مُنَافر أو فاخرهم مُفاخِر رَضُوا به، فبعثوه منافراً ومفاخراً.
هو ثاني الخُلفاء الراشدين، ومن كبار أصحاب الرسول؛ وأحد أشهر الأشخاص والقادة في التّاريخ الإسلاميّ ومن أكثرهم تأثيراً ونفوذاً؛ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن علماء الصحابة وزُهّادهم. تولّى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق_ رضي الله عنه_، في الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣ هجرية. وكان قاضياً خبيراً وقد اشتُهِرَ بعدله وإنصافه الناس من المظالم، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وقد لُقِّب بالفاروق لأنّه كان يُفرِّق بين الحق والباطل ولا يخاف في الله لومة لائم.
إسلامه
أسلم عمر في ذي الحجة من السنة السادسة من النبوة وهو ابن سبع وعشرين سنة. وذلك بعد إسلام حمزة بن عبدالمطلّب بثلاث أيام. وكان ترتيبه الأربعين في الإسلام. وكان النَّبيُّ قد قال: “اللَّهُمَّ أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام.
هو الذي وضع التّقويم الهجري، وفي عهده بلغ الإسلام مبلغاً عظيماً، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل بلاد العراق ومصر وليبيا؛ والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول، وجنوب أرمينية وسِجستَان. وهو الذي أدخل بيت المقدس، تحت حكم المسلمين لأول مرة.
وقد تجلّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجهها لإخضاع الفُرس الذين فاقوا المسلمين قوة، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يوماً بعد يوم؛ ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها.
يَتّفق المؤرخون أنّه بعد عودة عمر بن الخطاب، من مكة المكرمة بعد أنْ أدّى فريضة الحج؛ وعاد إلى المدينة المنورة؛ طعنه أبو لؤلؤة المجوسي(فيروز)، غلام المُغيرة بن شعبة؛ بخنجر ذات نصلين ست طعنات، وهو يُصلي الفجر بالناس، وكان ذلك يوم الأربعاء ٢٦ ذي الحجة سنة 23 هـ، الموافق لسنة 644 م، ثم حُمل إلى منزله والدم يسيل من جُرحه وذلك قبل طلوع الشمس. وحاول المسلمون القبض على القاتل فَطَعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فلما رأى الصحابي عبدالرحمن بن عوف ذلك، ألقى رِداءً كان معه على أبي لؤلؤة فَتعَثَّر مكانه وَشَعر أنّه مأخوذ لا محَالة؛ فَطَعن نفسه مُنتحراً. ودُفِنَ رضي الله عنه بجانب رسول الله_ صلى الله عليه وسلم _؛ وأبي بكر الصديق في حُجرَةِ عائشة أم المؤمنين، في المسجد النّبوي الشريف.
كفى بالموت واعظاً يا عمر؛ جميلة هذه العبارة، والأجمل ما نستوعبه من المعنى الذي تَحملُه هذه العِبارة ونعمل به. فإذا كان الفاروق_رضي الله عنه_؛ وهو المُبَشّر بالجنة يقول:” لو نادى المنادي يوم القيامة كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً؛ لخَشِيتُ أنْ أكون أنا الواحد”.
فهذا هو سيدنا عمر، الذي قال عنه النبي:” لو كان مُنَبَّاً بعدي لكان عُمر”؛ ينقُشُ على خاتمه هذه العبارة ويخشى ويخاف الموت.
نُردِّد كلمته كما نُردِّدُ قوله تعالى( كُلّ من عليها فَان)،ولكنّنا نُردّد ونقرأ ونسمع دون أنْ نَعي، وأنْ نعمل. فعَجلة الموت تَسيرُ سِراعاً، وتَحصد أمامها الصغير والكبير، والسَّقيم والصحيح، والمَلك والحقير، ومَلِكُ الموت يقولُ للخَلق:” إنَّ لي بِكُم عَودَة، ثُمّ عَودَة، ثمَّ عَودَة؛ حتى لا أبقِي منكم أحدا”. فليس العِبرَة في ما نقول أو ما نكتب، إنما العبرة فيما نفعل وما نعمل، العبرة في أنْ يكون الموت لنا واعظا.
تَمَثّل حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، الذي يقول فيه:(عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنّكَ مُفَارِقه).
فالموت ليس بِعَدمٍ مَحض، ولا فَناء صرف، وإنّما هو انقطاع تَعلّق الرُّوح بالبدن، ومُفَارقته وحَيلولة بينهما، وتبدُّل حال، وانتقال من دار إلى دار، وهو من أعظم المصائب، وقد سَمَّاه الله تعالى مُصيبة في قوله تعالى:” فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ “؛ فَكُلُّ أمرٍ دونَ المَنيّةِ هَيّنٌ.