الجنة والنار هما في ذات نفسك

اقرأ في هذا المقال


عاش في فترةٍ من التاريخ الإسلامي كانت تَعُجُّ بالمُتغيّرات، ولا يعرفه كثيرون إلّا بوصفه شاعراً عُرِفَ بِرُبَاعيّاتهِ، لكنّه كان رياضيًاً وفلكيّاً ماهراً؛ وضع تقويماً سنويّاً كان أكثر دِقّة من ذلك الذي وُضع قبله بخمسة قرون؛ وله يرجع الفَضل في تصنيف المعادلات التَّكعيبية وحلّها اعتماداً على الهندسة.

صاحب المقولة

عمر بن إبراهيم، كُنيَته أبو الفَتح، ولقبه غِياث الدين، وأُطلق عليه حجة الحق الإمام الفيلسوف، واشتُهر بالخيّام لقيام والده بهذه الصناعة، وهي صناعة الخِيَام. عالم رياضيات وفيلسوف وفلكي وشاعر فارسي مُستَعرِب، وكان عَلاّمَة عصره، فقد جمع الفلك إلى الفقه، والطب إلى قراءات القرآن الكريم، والفلسفة إلى علوم اللغة، والشعر إلى الكيمياء، واللاهوت إلى الرياضيات والتاريخ. أجمعت الروايات المختلفة على أنه كان قوي الذاكرة سريع الحفظ.

وُلد في عام 1048م، في مدينة نيسابور التجارية الكبرى شمال فارس، وهي اليوم إحدى مدن إيران، كان والدهُ طبيباً غنيّاً، وكانت عائلة عُمر مسلمة لكنّ والده لم يكن متعصبًاً للدِّين، وقد كان في زمن حُكم السّلاطين السَّلاجقة، وقضى معظم أيامه في بلاطهم. وكان لعمر الخيَّام اثنين من الأصدقاء اللَّذين لَعِبا دوراً محوريًاً في التاريخ الإسلامي، نِظام المُلك وزير الدولة السُّلجوقيّة؛ والآخر هو حسن الصَّبَّاح زعيم فِرقة الحَشَّاشين، لكنّه نَأى بنفسه عن صراعاتهما وآثر التفرغ لعمله وشعره.

حياة عمر الخيام الشخصية

تفاصيل حياة عمر الخَيّام الشخصية تُعدُّ غامضة. لكن ما عُرف منها، أنه تزوّج من مغنيّة فارسية جميلة اسمها جيهان، تزوجها بعد أن عاش معها لأربع سنوات دون زواج. ويعتقد أنّ لديه ابن واحد وابنة على الأقل. ومن حيث ديانته ومعتقداته وطائفته الأصلية، فقد ولد لعائلة مسلمة سُنّية.

بدايات عمر الخيَّام

سافر عمر الخيام مع إحدى القوافل التي تُنظّم رحلةً مدتها ثلاثة أشهر من نيسابور إلى سمرقند العظيمة، والتي تقع اليوم في أوزباكستان. حيث كانت سمرقند مركزاً للمِنَح الدراسية، ووصل الخيام إليها في سنة 1068م عندما بلغ 20 عامًا، حيث قام بالتواصل مع أبو الطاهر صديق والده القديم الذي كان حاكم وقاضي المدينة، وسرعان ما اكتشف لديه موهبة غير عادية في علم الأرقام، فوظَّفه في مكتبه. وفيما بعد حصل الخيام على وظيفةٍ في خزانة الملك، وقد أحرز تقدّماً كبيرًا في علم الجبر أثناء إقامته في سمرقند .

علم الخيام أنّه ليس من الممكن حل المعادلات التكعيبية باستخدام أدوات الهندسة اليونانية القديمة كالبوصلة والمسطرة وهناك حاجة إلى أساليب أخرى .
نشر الخيام في عام 1070 عندما كان في سن 22 واحدةً من أعظم أعماله، وهي رسالةٌ حول إظهار مشاكل الجبر والموازنة، أظهر فيها أن المعادلة التكعيبية يمكن أن يكون لها أكثر من حلٍ واحد، وأوضح أيضاً كيف يمكن استخدام القُطوع كالقطع المكافئ والدوائر لإعطاء حلول هندسية للمعادلات التكعيبية.

على الرغم من أن إنجاز الخيام كان رائعًا، الّا أنّه شعر بخيبة أمل لأنّه كان بحاجةٍ إلى استخدام الهندسة في كل المعادلات التكعيبية، وكان يأمل باكتشاف خوارزمية للحل باستخدام الجبر فقط.

شُهرته في سَمرقند

في عام 1073 تلقى الخيام دعوةً الى مدينة أصفهان الفارسية، عاصمة الإمبراطورية السلجوقية، لإعداد جدولٍ زمني من شأنه أن يعمل بطريقةٍ دقيقة إلى الأبد، وكان هذا هو العصر الذي تُحدَّد فيه طول السنة بشكلٍ دقيق ومنتظم. حيث تَمّت دعوة الخيام من قبل الرجلين الأكثر سلطة في الإمبراطورية السلجوقية والتي كانت بلاد فارس جزءًا منها، وهما مَلك شاه سلطان الإمبراطورية، ووزيره نظام المُلك.

قام الخيام بتوظيف علماء موهوبين آخرين لمرافقته إلى أصفهان في عام 1074، حيث كان يتقاضى أجراً مرتفعاً للغاية، وقد تمتع بأسلوب حياةٍ مميز.

قام السلطان ملك شاه بتمويل مشروع عمر الخيام من أجل إنشاء مرصدٍ فلكي لمراقبة السماء خلال 30 عامًا، وخلال هذه المدة كان زحل (الكوكب الأبعد المعروف وقتها) سيكمل مداره. وخلال فترة عمله في أصفهان وجد الخيام أنَّ طول السنة الاستوائية 365,2422 يومًا.

قَدَّمَ السلطان مَلك شاه تقويم عمر الخيام الجديد للإمبراطورية السلجوقية ، ولا يزال مستخدماً حتى يومنا هذا.

فَلسَفة عُمر الخَيّام

للخيام بعض الرسائل الفلسفية، منها “رسالة في الكون والتكليف” و”الرسالة الأولى في الوجود” و”مختصر في الطبيعيات”. وتشرح رباعياته وجهات نظره الفلسفية التي كانت تشاؤمية وعدمية أحياناً.

كان الخيام شخصاً يدعو إلى التأمل والتفكير. وقد هاجمه البعض بسبب طابع اللَّهو الذي سَادَ رُباعيَّاته، لكنّه كان موضع تقدير أبناء عصره ومن تلاهم ممن تعمّق في موروثه. وقد تبع الصوفية أواخر حياته معتقداً أنها ردّ على التَّشدد الإسلامي.

وله مؤلفات متنوعة أخرى منها: “شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس” و”الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسمٍ مركبٍ منهما”، و”رسالة في الموسيقى”.

أشهر أقوال عمر الخيام

الجنة والنار هما في ذات نفسك.

عِشْ راضيًا واهجر دواعي الألم، واعدل مع الظالم مهما ظلم، نهاية الدنيا فناء، فَـعِشْ فيها طليقاً واعتبرها عدم.

إن لم يكن حظُّ الفتى في دهره إلا الرَّدى ومرارةُ العيشِ الرّدي، سَعِدَ الذي لم يحيا فيه لحظة حقاً، وأسعد منهُ من لم يُولَدِ.

عندما نحب نعشق حتى عيوب المعشوق، وحينما نَكْره، نَكرَه حتى كمال المكروه.

عِشْ راضيًا واهجر دواعي الألم، واعدل مع الظالم مهما ظلم، نهاية الدنيا فناء، فَـعِشْ فيها طليقًا واعتبرها عدم.

بعد وفاة السلطان مَلك شاه؛ ووزيره نظام المُلك، أُصيب بحمى، وبعد أن تعافى منها، حجّ إلى مكة؛ وعاش في عزلةٍ سنين حياته الأخيرة.
وكان الخيام مُقتنعَاً بمركزية الشمس في نظامنا الشمسي. وكان يُردِّدُ رُباعيَّاته أثناء قيامه بأموره العِلمِية، وقام من حوله بجمعها.
دعاه حسن الصَّبَّاح إلى قلعة ألموت، لكنه رفض الدعوة وبقي بعيداً عن مجريات الصراع الدائر آنذاك بينه وبين الدولة السلجوقية.
وكانت البَحبُوحة التي عاش بها عُمَر الخَيَّام، هي صنيعة الوزير نظام المُلك، فقد تعاهد هو والصَّبّاح ونظام المُلك؛ على أنَّ من يؤاتيه الحظّ سيساعد صديقيه الآخرين، فلما صار نظام الملك وزيراً للسلطان ألب أرسلان ثم لحفيده مَلك شاه، خُصِّصَ له مائتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام من خزينة نيسابور، فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة.
عاش معظم حياته بين نيسابور وسمرقند.

وفاة عُمر الخَيّام

توفي عمر الخيام عن عمرٍ ناهز ال 83 عامًا في بلدة نيسابور في عام 1131م، ودُفن في قبرٍ كان قد اختار موقعه مُسبقاً ضمن بستان حيث تتساقط الزهور مرتين في العام.


شارك المقالة: