من آيات الحزن في القرآن الكريم دراسة موضوعية

اقرأ في هذا المقال



من آيات الحزن في القرآن الكريم دراسة موضوعية :

يفهم بعض الناس أنّ الحزنَ فرعُ الإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر، وحسابه وعذابه، وأن قسيم الحزن هو الاستهتار وعدم المبالاه، وقد يُفاجأ أحدهم حين يعلم أن الحزن لم يؤمر به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، بل عنه النبيُ صلى الله عليه وسلم في مواطن، قال ابن تيمية- رحمه الله-:”وأمّا ‏[‏الحزن‏]‏ فلم يأمر اللّه به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏} صدق الله العظيم‏[‏آل عمران‏:‏ 139‏]‏.

فلا ينبغي إذن أن نستدعي الحزن، ولو كان ذلك بسبب المُنكرات، والحرص والشفقة عليهم.

لا يغلبونك على السكينة والطمـنينة، قال تعالى: ﴿أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنࣰاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ یُضِلُّ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَیۡهِمۡ حَسَرَ ٰ⁠تٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمُۢ بِمَا یَصۡنَعُونَ﴾ صدق الله العظيم[فاطر ٨] وقال تعالى: ﴿وَلَا یَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡۘ إِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِیعًاۚ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ﴾ صدق الله العظيم [يونس ٦٥]قال صاحب كتاب فتح البيان عند قوله تعالى: (ولا يحزنك قولهم) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن من قول الكفار المتضمن للطعن عليه وتكذيبه والقدح في دينه، والمقصود تسلية له صلى الله عليه وسلم عما كان يلقاه من جهتهم من الأذية الناشئة عن مقالاتهم الموحشة، وتبشير له بأنه تعالى ينصره.
حتى المصائب التي تحل بالمسلمين لا ينبغي أن تستدعي لأنفسنا الأحزان، بل صبرٌ ويقينٌ، وإيمانٌ واطمئنان، مع العمل النافع بقدر الطاقة والإمكان، قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ صدق الله العظيم [آل عمران ١٣٩].

إن النهيَ عن الحزنِ لا يعني القدرة على الامتناع عنه بالكلية، فإنه يهجم على النفسِ إذا توافرت أسبابه، وللطبيعة البشرية ضروراتُها، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّا كَفَیۡنَـٰكَ ٱلۡمُسۡتَهۡزِءِینَ (٩٥) ٱلَّذِینَ یَجۡعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَۚ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ (٩٦)﴾ صدق الله العظيم[الحجر ٩٥-٩٦] ومع هذا قال له رب العالمين: ﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ یَضِیقُ صَدۡرُكَ بِمَا یَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِینَ (٩٨) وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ یَأۡتِیَكَ ٱلۡیَقِینُ (٩٩)﴾ صدق الله العظيم[الحجر ٩٧-٩٩].

هذه طبيعةٌ بشريةٌ يُدافعُها المؤمن بالتبسيح والسجود والعبادة والصبر والإيمان، كما يُدافع المرض بالصبر والطب، أمّا استقبال الحزن والحفاظ عليه كما لو كان طاعة وقُربة، فعملٌ غير صالح، وربما وصل الحال بنا إلى استدعاء الحزن وتهييجه في كل فرصةٍ سانحة. وتجد البعض يتحرج من البهجة والرضا، وكأن ممارسة الحياة من شرطها أن تخلو من المنكرات والمصائب، العبرة في مصائب المسلمين بما تقدمه لهم من نفعبمالك ودعائك وعملك، أمّا إضِعاف القلب والهمة بالأحزان، فلا ينبغي طلب ذلك وتكلّفة، وينبغي أن يكون قلبُ المؤمن هو أكثر القلوب رضا وسكينة وطمأنينة.


شارك المقالة: