تأملات في سورة الشمس

اقرأ في هذا المقال


ما جاء فيها من الآحاديث

أخرج أحمد، والترمذي وحسنه والنسائي عن بريدة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء ﴿والشمس وضحاها﴾ وأشباهها من السور» وجاء عن جابر رضي الله عنها في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى» وأخرج الطبراني عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها» .

يقول تعالى: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾ صدق الله العظيم، [الشمس ١] يقسم الله تعالى بالشمس لأنّها آيةٌ باهرةٌ عظيمةٌ، يقول تعالى : ﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِیَاۤءࣰ وَٱلۡقَمَرَ نُورࣰا وَقَدَّرَهُۥ مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَۚ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذَ ٰ⁠لِكَ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۚ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ صدق الله العظيم[يونس ٥] هو الذي جعلَ الشمس ضياءاً لأنّ حرارتها من نفسها، فالله تعالى جعلَ الشمسَ تضيء الكون كُله، فهي آية باهرةٌ تدلُ على الله العظيم رب العرش العظيم جلَّ جلاله.

قوله تعالى: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾صدق الله العظيم،  لأهل العلم أوجةٌ في المقصود بقوله: (وَضُحَىٰهَا)منها:

الوجه الأول: يعني ( وضوئها)، فالله يقسم بضوء الشمس.

الوجه الثاني: قيل بحرارة الشمس.

الوجه الثالث: والمعروف عند العرب أمن الضُحاء إذا طلعت الشمس وبُعيد ذلك قليلاً.

الوجه الرابع: قيل: يعني ضُحاها النهار كله، لأنّ ضوء الشمس الظاهرة هو النهار.

وهذه الأقوال كلها صحيحة، يعني أن الله عزوجل يقُسم بالشمس ونورها، ويقسم بالشمس وحرارتها، ويقسم بالشمس والنهار كله.

قال تعالى: ﴿وَٱلۡقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ٢] يقسم رب العزة أيضاً بالقمر إذا تلا الشمس، وذلك في النصف الأول من الشهر، إذا غربت الشمس، تلاها القمر طالعاً، والشمس تتلوه بعد ذلك يعني بعد النصف الأول.

وكلُّ هذه آيات لا يستطيع أن يأتي بها إلّا الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَءَایَةࣱ لَّهُمُ ٱلَّیۡلُ نَسۡلَخُ مِنۡهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظۡلِمُونَ (٣٧) وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِی لِمُسۡتَقَرࣲّ لَّهَاۚ ذَ ٰ⁠لِكَ تَقۡدِیرُ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ (٣٨)﴾ صدق الله العظيم[يس ٣٧-٣٨].

قوله تعالى: ﴿وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَغۡشَىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ٤] يغشاها يعني يغطيها كما يغطي الثوب الجسد.

قوله تعالى: ﴿وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا طَحَىٰهَا﴾ صدق الله العظيم [الشمس ٦] طحاها يعني بسطها ومدها وجعلها مستوية.

قوله تعالى: ﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ٧] سواها: يعني خلقها سويةً على الفطرة السليمة، قال الله تعالى: ﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ صدق الله العظيم[الروم ٣٠] وفي الحديث الصحيح يقول الله جل جلاله: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، كذلك ما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.

قوله تعالى: ﴿فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ٨] فيه وجهان للمفسرين:

الرأي الأول: أي ألزمها فُجورها وتقواها، يعني بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها بالفجور، فهذه النفس بيد الله تعالى، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : يا مثبت القلوب ، ثبت قلبي على دينك ، قالوا : يا رسول الله ، آمنا بك وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم ، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها .

إشكال والجواب عليه:

البعض يحتج بالقدر على انحرافه ويتحجج بحجج واهية، لكي يبرر وقوعه في المعاصي، وقد حلت الشريعة مثل هذه الإشكاليات، وذلك ما جاء في قوله تعالى: قول الله- تعالى – : ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءَابَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ ) الأنعام/39 ، فهؤلاء الكافرون احتجوا بالقدر على كفرهم ، ولو كان احتجاجهم مقبولاً صحيحاً ما أذاقهم الله بأسه ، وقد نسبوا إلى الله الظلم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

وجاء عن أبي الأسود الدؤلي قال: قال لي عمران بن الحصين، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، قال: أفلا يكون ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت: كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء مضى عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليه؟ فقال: لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.

فالله قضى عليهم على حسب علمه بحالهم، وعلم ما سيختارون من طريق الضلال.

والرأي الثاني في تفسير الآية: أي بين الخير من الشر، وعلمها الطاعة والمعصية، وعرفها ما تأتي من الخير وما تتقي من الشر.

قوله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ٩] قد للتحقيق، يعني أفلح يقيناً، والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، وقد جاء في الدعاء، اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها وأنت مولاها، وزكها أنت خير من زكاها .

قوله تعالى: ﴿وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾ صدق الله العظيم[الشمس ١٠] دساها: يعني أخفاها، كما قال تعالى: ﴿یَتَوَ ٰ⁠رَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦۤۚ أَیُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ یَدُسُّهُۥ فِی ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَاۤءَ مَا یَحۡكُمُونَ﴾ صدق الله العظيم [النحل ٥٩]، يعني: يخفيه في التراب، والمعنى أن العاصي أخفى نفسه ولم يظُهر ما فيها من جميل الخصال، أمّا المؤمن المطيع فيُظهر نفسه بأعمال البر والخير.


شارك المقالة: