تأملات في سورة القدر

اقرأ في هذا المقال


قوله تعالى: ﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ فِی لَیۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾ صدق الله العظيم [القدر ١] أنزل الله تعالى القرآن العظيم في ليلة القدر، يعني ابتدأ إنزاله فيها، فقد أخرج البيهقي في الدلائل وغيرهم عن ابن عباس ” أنزل القرآن في ليلة القدر حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ثم جعل جبريل ينزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بجواب كلام العباد وأعمالهم “.

لذلك قال الله عن الكفار: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَـٰهُ تَرۡتِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم[الفرقان ٣٢] وأملاه جبريل عليه السلام على السفرة، أي: كذلك أردنا وهذه مشيئتنا، قال تعالى: ﴿وَقُرۡءَانࣰا فَرَقۡنَـٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثࣲ وَنَزَّلۡنَـٰهُ تَنزِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم [الإسراء ١٠٦] نزولاً بعد نزول تبارك الله ذو الجلال والاكرام.

من أجل ذللك نقطع بأن القرآن نزل في ليلة القدر وبدأ إنزاله في ليلة القدر، أُنزل من الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في بيت العزة جملةً واحدة، ثم نزل بعد ذلك مُفرقاً، نزل به جبريل الأمين على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم.

سبب تسميتها ليلة القدر:

القول الأول: سُميت ليلة القدر بذلك لأنها لأنّها ذات شرفٍ كما نقول: فلان ذو قدرٍ، يعني ذو شرفٍ وله منزلة عالية، وربنا يعظم هذه الليلة بقوله تعالى: (وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ (٢) لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَیۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ (٣)) .

القول الثاني: سُميت ليلة القدر بذلك لأن الله الجليل سبحانه وتعالى يُقدر فيها المقادير وما هو كائنٌ في الكونِ من السنة إلى السنة، كما يقول تعالى: ﴿فِیهَا یُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِیمٍ﴾ صدق الله العظيم[الدخان ٤] يعني أمرٌ محكم قضاه الله تعالى من رزقِ فلان، وإحياء فلان، وشفاء فلان، وعافية فلان، وفلان يحج، وهكذا كل ما يكون في العام كله من أرزاق العباد وآجالهم وأقواتهم، وغير ذلك.

القول الثالث: في سبب تسمية ليلة القدر بذلك أنّ القدر هنا معناه الضِّيق، ومنه قوله تعالى: ﴿لِیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَاۤ ءَاتَىٰهَاۚ سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا﴾ صدق الله العظيم[الطلاق ٧] أي ضَيق عليه رزقه، وقال تعالى: ﴿وَأَمَّاۤ إِذَا مَا ٱبۡتَلَىٰهُ فَقَدَرَ عَلَیۡهِ رِزۡقَهُۥ فَیَقُولُ رَبِّیۤ أَهَـٰنَنِ﴾ صدق الله العظيم[الفجر ١٦] أي ضيق عليه رزقه، والمعنى: أن الملائكة تكثر جداً في نزولها ليلة القدر في المساجد تُسلِّم على المصلين، وتضيق بهم الأرض من كثرتهم.

المصدر: تفسير القرآن العظيم — ابن كثيرروح المعاني — الآلوسيفتح البيان — صديق حسن خانجامع البيان — ابن جرير الطبري


شارك المقالة: