تفسير سورة الفرقان

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (٣)) صدق الله العظيم.


مناسبة التسمية:

أنّ السورة افتتحت بكلمة الفرقان وهو (كتاب الله ) تعالى، وأنّه أنزله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

موافقة أول السورة لآخرها:

بدأت السورة بذكر المشركين، قال تعالى:  ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (٣) ﴾ صدق الله العظيم، وٌختمت بذكر عباد الله المتقين، قال تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا () ٦٣وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧)﴾ صدق الله العظيم، وذلك لبيان الفرق بين عباد الله المتقين، والمشركين، وبيان الفرق بينهم.

المحور الرئيسي للسورة:

القرآن فرقان يفرق فيه بين الحق والباطل.

مواضيع السورة المباركة:

  1. إثبات أنّ القرآن حق نزل على رسول الله صلى الله عليه بالحق والهدى، وهذا دلالة من دلالات صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
  2. إثبات قضية البعث والنشور والجزاء، وتبشير المؤمنين الصادقين بجنة عرضها السموات والأرض، وإنذار الكافرين بالنار.
  3. إثبات وجود الله ووحدانيته، وتفرد الله في خلقه، وتنزيهه عزوجل بأدلة عقلية.
  4. الإشارة إلى صفات المؤمنين الصادقين.

لطائف وفوائد حول السورة المباركة:

  1. وجود كلمة (تبارك ) في بداية كل سورة لتأكيد قضية تتعلق بما في ثنايا السورة، فمثلاً سورة الفرقان- فيها (بشارة للمؤمنين بجنة عرضها السموات والأرض والكافرين بالنار- مع إثبات وحدانية الله جل وعز).
  2. من أراد الخير فعليه بالقرآن.
  3. من طلب الثبات فعليه بالقرآن قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نزلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا (٣٢) ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: اعلم أن هذا هو الشبهة الخامسة لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن أهل مكة قالوا: تزعم أنك رسول من عند الله، أفلا تأتينا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى، والإنجيل على عيسى، والزبور على داود ؟ وعن ابن جريج: بين أوله وآخره اثنتان أو ثلاث وعشرون سنة، وأجاب الله بقوله: ﴿كذلك لنثبت به فؤادك﴾ صدق الله العظيم.
  4. القرآن الكريم سبب من أسباب الوقوف على حقائق الأشياء، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكانًا وأضَلُّ سَبِيلًا﴾ صدق الله العظيم.
  5. لكل من طلب الموعظة قال تعالى : (وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَـٰهُ بَیۡنَهُمۡ لِیَذَّكَّرُوا۟ فَأَبَىٰۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورࣰا (٥٠)) صدق الله العظيم.
  6. قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلرَّسُولُ یَـٰرَبِّ إِنَّ قَوۡمِی ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ مَهۡجُورࣰا (٣٠)) صدق الله العظيم، وقد قيل: إنّ قول الرسول “يا رب” إنّما يقوله يوم القيامة، أي هجروا القرآن وهجروني وكذبوني. وقال أنس قال النبي صلى الله غلية وسلم:” من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهد ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقاً به يقول يا رب العالمين إن عبدك هذا اتخذني مهجورا فاقض بيني وبينه.
  7. من طلب الدعوة والإنذار فعليه بالقرآن، قال تعالى : ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَـٰتࣲۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [الفرقان ٧٠] صدق الله العظيم، قال أبو هريرة: ذلك في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته، فيبدل الله السيئات حسنات. وفي الخبر: “ليتمنين أقوام أنّهم أكثروا من السيئات” فقيل: ومن هم؟ قال: “الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات”، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  لمعاذ: “أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”.
  8. قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ إِلَّاۤ إِنَّهُمۡ لَیَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشُونَ فِی ٱلۡأَسۡوَاقِۗ وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِیرࣰا﴾ [الفرقان ٢٠] صدق الله العظيم، قال العلماء ففي هذه الآية عدة مسائل:

المسألة الأولى: فيه أقوال:

أحدها: أنّ هذا في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة، فإذا رأى الشريف الوضيع قد أسلم قبله أنف أن يسلم، فأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه؛ ودليله قوله تعالى: ﴿لو كان خيرا ما سبقونا إليه﴾ صدق الله العظيم [ الأحقاف: ١١] وهذا قول الكلبي والفراء والزجاج.

وثانيها: أنَّ هذا عام في جميع الناس، روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ويل للعالم من الجاهل، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السلطان، وويل للمالك من المملوك، وويل للشديد من الضعيف، وللضعيف من الشديد، بعضهم لبعض فتنة»  وقرأ هذه الآية.

وثالثها: أنَّ هذا في أصحاب البلاء والعافية، هذا يقول: لم لم أجعل مثله في الخلق والخلق، وفي العقل وفي العلم، وفي الرزق وفي الأجل ؟ وهذا قول ابن عباس والحسن.

  • قوله تعالى: ﴿۞ وَهُوَ ٱلَّذِی مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَیۡنِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱ وَجَعَلَ بَیۡنَهُمَا بَرۡزَخࣰا وَحِجۡرࣰا مَّحۡجُورࣰا﴾ [الفرقان ٥٣] صدق الله العظيم، قال أهل التفسير: أي أرسلهما في مجاريهما، كما يرسل الخيل في المرج، كما روي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما.
  • قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ﴾ [الفرقان ٦٣-٦٤] صدق الله العظيم، قوله تعالى: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا﴾ فيه أربعة أقاويل:

أحدها: علماء وكلماء، قاله ابن عباس.

الثاني: أعفاء أتقياء، قاله الضحاك.

الثالث: بالسكينة والوقار، قاله مجاهد.

الرابع: متواضعين لا يتكبرون، قاله ابن زيد.

  • قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا﴾صدق الله العظيم ، قال القرطبي:  الهون مصدر الهين وهو من السكينة والوقار. وفي التفسير: يمشون على الأرض حلماء متواضعين، يمشون في اقتصاد. والقصد والتؤدة وحسن السمت من أخلاق النبوة. وقال صلى الله عليه وسلم: (أيّها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس في الإيضاع) وروي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا زال زال تقلعا، ويخطو تكفؤا، ويمشي هونا.
  • قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَنفَقُوا۟ لَمۡ یُسۡرِفُوا۟ وَلَمۡ یَقۡتُرُوا۟ وَكَانَ بَیۡنَ ذَ ٰ⁠لِكَ قَوَامࣰا﴾ [الفرقان ٦٧] صدق الله العظيم، وقال ابن عباس: من أنفق مائة ألف في حق فليس بسرف، ومن أنفق درهما في غير حقه فهو سرف، ومن منع من حق عليه فقد قتر.

المصدر: تفسير القرآن العظيم — ابن كثيرروح المعاني — الآلوسيفتح البيان — صديق حسن خانجامع البيان — ابن جرير الطبريزاد المسير — ابن الجوزي


شارك المقالة: