لمْ يُخطِئ الأديب الكبير“ نجيب محفوظ”، حين قال يوماً:” قارئ الحَرف هو المُتعلِّم، وقارئ الكُتب هو المٌثقَّف“. فالكِتاب هو صديق لا يُفارِق صَاحبه رغمَ كلّ ما قد يحدث، وقد صَدقَ الشّاعر العربيّ؛ المُتنبّي، حينما قال في الأُوَل:
أعزُّ مكانٍ في الدُّنَا سرجُ سابحٍ *** وخير جليسٍ في الزّمانِ كِتَابُ.
صاحب المقولة
نجيب محفوظعبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا، وُلدَ بتاريخ(11 ديسمبر 1911م)، في حي الجماليّة بالقاهرة. وقد سُمّي باسمٍ مُركَّب بنفس اسم الطبيب الذي أشرف على ولادته التي كانت مُتَعسّرة؛ وهو الطبيب نجيب باشا محفوظ؛ وذلك تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطَّبيب.
روائي مِصريّ، وأوَّل مِصري حَائِز على جائزة نُوبل في الأدب، وسُمّي برائد الرواية العربية من غير مُنازع. كَتبَ نجيب محفوظ منذ الثلاثينات واستمر حتى عام 2004م.
تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها سِمَة مُتكررة؛ هي الحارة التي تُعادل العالم.
والده الذي كان مُوظّفاً لم يقرأ كتاباً في حياته بعد القرآن، غير حديث عيسى بن هشام؛ لأنَّ كَاتِبه” المُويلحي” كان صديقاً له، وكان نجيب محفوظ أصغر إخوته، ولأنَّ الفَرق بينه وبين أقرب إخوته سناً إليه كان عشر سنواتٍ، فقد عُومِل كأنه طفلٌ وحيد.
كان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919م، والتي أثَّرت فيه وَتَذكّرها فيما بعد في روايتهِ” بين القَصرَين”، أول أجزاء ثُلاثيّته.
بدايات نجيب محفوظ
التحق بجامعة القاهرة في عام 1930م، وحصل على ليسانس الفلسفة، شَرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجَمال في الفلسفة الإسلامية، ثم غيَّر رأيه وقرر التركيز على الأدب. بعد ذلك انضمَّ إلى السِّلك الحكومي، ليعملَ سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف المصريّة بين عاميّ( 1938 -1945م)، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى عام 1954م.
عمل بعدها مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرَّقابة على المُصنَّفات الفنية. وعملَ بعد ذلك مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون. وكان آخر منصبٍ حكومي شَغلهُ كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامّة للسينما، بين عاميّ(1966- 1971م)، وتقاعد بعده ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام المصرية.
تزوّج نجيب محفوظ في فترة توقّفه عن الكتابة بعد ثورة 1952م، من السيدة” عطيّة الله إبراهيم”، وأخفى خبر زواجه عمَّن حوله لعشر سنوات؛ مُتعلّلاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها.
في تلك الفترة كان دَخلهُ قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام، وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر” صلاح جاهين”،بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.
مسيرته الأدبية
بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلّة الرسالة. وفي عام 1939م، نشر روايته الأولى” عبث الأقدار”، التي تُقدّم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر” كِفاح طيبة، ورادوبيس”، مُنهيَاً ثُلاثيّة تاريخية في زمن الفراعنة.
وفي عام 1945م، بدأ نجيب محفوظ خَطّه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية، برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي، وزُقَآل المُدق.
ثُمَّ اتَّجه محفوظ بعد ذلك إلى الرَّمزية في رواياته” الشَّحّاذ، وأولاد حارتنا”، والتي سبَّبَت رُدود فعلٍ قوية، وكانت سبباً في التَّحريض على محاولة اغتياله.
وتُعتَبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لِهَمّ الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.
مع أنّه بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر، إلّا أنَّ نجيب محفوظ لمْ يَلقَ اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فَظَلَّ مُتجاهَلاً من قِبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد.
كان” سيّد قُطب” رحمه الله، أول ناقد كتب عنه في مجلة الرسالة في1944م، فكان أول ناقدٍ له يتحدّث عن رواية القاهرة الجديدة، ومن ثَمَّ توالت كتابات النَّقدِ من النُّقّادِ عليه.
محاولة اغتياله
في 21 سبتمبر 1950م، بدأ نشر روايته” أولاد حارتنا”، مُسَلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقّف النَّشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على “تطاوله على الذات الإلهية” في هذه الرّواية.
لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تَظهر كاملة في طُبعة دار الآداب اللبنانيّة، التي طبعتها في بيروت عام 1967م. وأُعيدَ نَشر أولاد حارتنا في مصر في عام 2006م، عن طريق دار الشروق المصرية.
في أكتوبر 1995م، طُعن نجيب محفوظ في عُنُقه على يَد شَابَّين قد قرّلا اغتياله؛ لاتهامه بالكفر والخروج عن المِلّة؛ بسبب روايته المثيرة للجدل” أولاد حارتنا”.
أشهر أعماله
- عبثُ الأقدار: كانت أولى رواياته، وهي رواية تاريخية، ونشرت عام 1939م، والتي سلّطت الضوء على العصر الفرعوني، وخصوصاً عصر بناء أهرام الملك فرعون خوفو.
- رواية كفاح طيبة: وهي رواية تاريخية، كتبها عام 1944م، تكلمت الرواية عن كفاح الشعب المصري ضِدّ المُحتل، ونَيل حريّته، وطرد المُحتلين الغزاة من وطنهم.
- رواية خان الخليلي: تحدّثت الرواية عن شخص اسمه أحمد أفندي عاكف، الذي قطع مسيرته التعليمية وعمل حتى يُعِين عائلته، بعد ما ترك أبوه العمل بعد فصله.
- رواية ثرثرة فوق النيل: تحدّثت عن هزيمة الخامس من يونيو للعام 1967م، وهروب الشخصيات من الواقع البائس المحيط بهم بعد الهزيمة.
- رواية الحب تحت المطر: والتي تحدّثت عن الحب في حياة الحرب والفقر.
- رواية زقاق المُدق: وهي رواية جسّدت حياة الناس في حارة الصَّنادقيّة، والتي أسّسها الملك الفاطمي المعزّ لدين الله، وكانت أحداث هذه الرواية في فترة الحرب العالمية الثانية، وكانت بطلتها الفتاة حميدة وأهمّ أحداثها مقتل خطيبها عباس.
- رواية ثلاثية القاهرة: وهي سلسلة من روايات ثلاثة، وهي، ما بين القصرين، وقصر الشوق، والسُّكّرية، وتعتبر هذه الرواية من أفضل الروايات في العالم العربي.
- رواية اللص والكلاب: نشرت عام 1973م، وكان بطلها سعيد مهران، الذي خرج من السجن بعد قضاء أربع سنوات بتهمة السرقة، وبدأ بالإنتقام.
- رواية ملحمة الحرافيش: صدرت عام 1977م، كتبت الرواية عشر قصص عن أسرة مصرية سكنت الحارة، لكنه لم يحدد الزمان والمكان فيها.
وأعمال نجيب محفوظ القصصيّة تمثّلت في:
- قصّة همس الجنون: التي نشرت عام 1938م، وتدور أحداث القصة حول الفضائح المصرية في المجتمع الراقي أو المجتمع السفلي، لكن النزعة الوطنية لا تخلو منها.
- قصّة الجريمة: صدرت عام 1973م، وهي ذو طابع بوليسي، عن التحقيق في الجريمة.
- قصّة بيت سيّئ السمعة: تحدّثت عن فتاة أحبها، لكن كانت من بيت سيّئ السمعة؛ لأنّ والدها أتاح لها بعض الحرية في ذاك الزمن الذي يعتبر كل شيء فيه حرام.
وقد كانت ثُلاثيّته، وأولاد حارتنا، والتي مُنعت من النشر في مصر منذ صدورها وحتى وقتٍ قريب، هي أشهر ما كَتَب. ولذلك فإنَّ نجيب محفوظ، أكثر أديب عربي نُقلت أعماله إلى السينما والتلفزيون.
وفاته
تُوفي نجيب محفوظ في بداية 29أغسطس عام 2006م، عن عُمرٍ ناهز 95 عاماً، إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله المستشفى، لإصابته بمشكلات صحية في الرِّئة والكِليتَين.