الجريمة بين الأنماط الموسمية واختلاف الدول

اقرأ في هذا المقال


جادل قانون كويتيليت الحراري للجنوح بأنّ الحرارة والسلوك العنيف مرتبطان، حيث أنّ جرائم العنف يجب أن تكون أعلى في أشهر الصيف وجرائم الملكية أعلى في الشتاء، ويشير الفحص العرضي لبيانات تقارير الجريمة الموحدة إلى وجود تأثير موسمي كبير لكل من جرائم العنف وجرائم الملكية في الولايات المتحدة، ومع ذلك عندما ينظر المرء إلى تقارير الجريمة الموحدة من عام 1990 حتى عام 2003 يتضح أنّ الأشهر التي تكون فيها جرائم السطو والسرقة على الممتلكات في ذروتها ليست في المواسم الأكثر برودة ولكن في يوليو وأغسطس وسبتمبر ويونيو، وبالتالي فإنّ الفحص البسيط للبيانات يتحدى القانون الحراري.

علاقة الجريمة بالأنماط الموسمية واختلاف الدول

هناك أنماطًا موسمية للعديد من الجرائم على الرغم من أنّ بعض هذه الأنماط ليست مماثلة لتلك الموجودة على سبيل المثال في الولايات المتحدة، ففي إنجلترا وويلز تزداد عمليات السطو والسلب في الشتاء بينما تبلغ الجرائم الشخصية ذروتها خلال فصل الصيف، بينما في غانا كانت جريمة الاعتداء الشخصي هي الأعلى أيضًا بين يونيو وسبتمبر.

فحص لانداو وفريدمان موسمية السطو والقتل في إسرائيل ووجدوا أنّ السرقة اتبعت نمطًا موسميًا قويًا بمعدلات أعلى في الشتاء، ولكن القتل على الرغم من أنّه أكثر شيوعًا إلى حد ما خلال أشهر معينة فلم يظهر أي نمط موسمي، حيث في أغسطس كان مرتفعًا ولكن يوليو كان منخفضًا، وكان في مارس مرتفعًا ولكن أبريل كان منخفضًا، وفي نصف الكرة الجنوبي حيث تنقلب الفصول تنعكس الأنماط أيضًا، وأشارت دراسات الاعتداء الجنسي في تشيلي إلى أنّ الأشهر التي كان فيها عدد الحالات أعلى في نوفمبر وأكتوبر وديسمبر (أواخر الربيع وأوائل الصيف في تشيلي)، مع ظهور أقل عدد من الحالات في أواخر الخريف والشتاء خلال الأشهر مايو ويونيو ويوليو.

الجريمة بين النمط الموسمي السنوي والشهري

في الواقع في بعض الدول يظهر نمط زمني تكون فيه أشهر معينة مرتفعة بشكل ملحوظ وبعض الأشهر الأخرى منخفضة بشكل ملحوظ في جميع الجرائم تقريبًا، وتكمن المشكلة في تحديد ما إذا كان تباين النمط موسميًا أم شهريًا، وقد يبدو هذا مثل الشيء نفسه ولكن هناك اختلاف وهو فرق مهم للغاية للنظرية والبحث وصناع السياسات، ولذلك بالنظر إلى البيانات الأمريكية نرى نمطًا موسميًا للاغتصاب والاعتداء والسرقة ، والسطو ، وكلها تكون أعلى خلال أشهر الصيف، ونظرًا لأنّ اثنتين من هذه الجرائم شخصية واثنتان من جرائم الملكية فمن الواضح أنّها لا تدعم قانون كويتيليت الحراري للانحراف.

من ناحية أخرى تظهر السرقة والقتل أنماطًا شهرية مهمة لكن الأشهر المعنية لا تظهر في أي موسم، حيث يوليو وأغسطس هما أيضًا من بين أعلى ثلاثة أشهر للقتل في الولايات المتحدة، ولكن الشهر الثالث الأكثر شيوعًا لارتفاع معدلات القتل هو ديسمبر، ويشير هذا إلى نمط شهري كبير للقتل ولكن من الواضح أنّه ليس نمطًا موسميًا، كما أنّ السرقة التي تعتبر جريمة شخصية من قبل تقارير الجريمة الموحدة (Uniform Crime Reports) في ذروتها باستمرار خلال أشهر ديسمبر ويناير وأكتوبر وأغسطس.

علاقة الأنماط الثقافية بالجريمة الموسمية

ما تقودنا هذه البيانات إلى الشك ويؤكده البحث هو أنّه في أي بلد يتم تحديد الأنماط الموسمية أو الشهرية المميزة لأي جريمة إلى حد كبير من خلال الأنماط الثقافية، وفي واحدة من أكثر التأثيرات الثقافية وضوحا اكتشف زيمرينج وشركاؤه أنّ الجريمة بجميع أنواعها تنخفض بمقدار النصف في ميلانو بإيطاليا خلال شهر أغسطس، وهو الشهر الذي شهدت فيه نسبة كبيرة من يذهب السكان الإيطاليون في عطلة.

أشاروا إلى أنّ فرص الجريمة (الأهداف المناسبة وغياب الأوصياء الأكفاء) لا تتناقص، ففي الواقع يجب أن يكون هناك المزيد من المنازل غير المحمية وعدد أقل من الأوصياء في المكان، والاستنتاج الوحيد الذي يبدو أنّه يتناسب مع بياناتهم هو أنّ العمليات الاجتماعية غير المعروفة في المدن الأمريكية تقلل النشاط الإجرامي في ميلانو إلى النصف تقريبًا خلال شهر الإجازة في أغسطس، وتأخذ الجريمة عطلة في ميلانو خلال شهر أغسطس على ما يبدو لأنّ المجرمين يأخذون عطلة.

باختصار يبدو أنّ العلاقة بين أشهر الصيف الحارة والذروة في الاغتصاب والاعتداء شبه عالمية، ومع ذلك على الرغم من عدم وجود مثل هذا النمط الموسمي العالمي لجرائم الملكية أو السرقة أو القتل فإنّ العديد من المواقع تظهر نمطًا شهريًا واضحًا لتلك الجرائم، والغريب يبدو أنّ القانون الحراري للجرائم الشخصية الأعلى في الصيف وجرائم الملكية المرتفعة في الشتاء قد ينطبق على أماكن أخرى بما في ذلك أجزاء من أوروبا ولكن ليس للولايات المتحدة.

الجريمة بين التفاعلات الاجتماعية والمواسم

عندما نفحص البيانات الخاصة بالموسم والجرائم المحددة فإنّ النتائج تعزز فكرة أن الفصول تعمل على الجريمة من خلال إحداث تغييرات في الأنشطة الروتينية وزيادة الإجهاد التفاعلي، ومن المتوقع أن تؤدي التفاعلات المتزايدة بين الأشخاص الذين لديهم روابط عاطفية قوية، والتي تؤدي إلى زيادة التوتر وزيادة استخدام الكحول من قبل الفئات المعرضة للخطر خلال فصل الصيف وخلال الإجازات إلى زيادة حالات القتل وهذا ما نراه، وليست خصائص الطقس لهذا الموسم بل طبيعة التفاعلات الاجتماعية التي تتأثر وتتغير بهذا الطقس.

ففي الصيف من المتوقع أن تؤدي التفاعلات المتزايدة بين الأشخاص الذين لديهم روابط عاطفية قوية والتي تؤدي إلى زيادة التوتر، كما تؤدي زيادة استخدام الكحول من قبل الفئات المعرضة للخطر خلال فصل الصيف وخلال الإجازات إلى زيادة حالات القتل وهذا ما نراه، وليست خصائص الطقس لهذا الموسم بل طبيعة التفاعلات الاجتماعية التي تتأثر وتتغير بهذا الطقس.

يتم دعم هذا الاقتراح بشكل أكبر عندما يقارن المرء الأنماط الموسمية للقتل والاعتداء، وكثيرًا ما يطرح علماء الإجرام حجة مفادها أنّ الاعتداء الجسيم والقتل من جرائم الأخوة، أي أنّهم نفس السلوك -هجوم من قبل شخص بقصد إلحاق ضرر جسدي خطير بآخر- والفرق الحقيقي الوحيد هو ما إذا كانت الضحية ستعيش أو تموت نتيجة للهجوم، وإذا كان هذا صحيحًا فإننا نتوقع أن نرى نفس نمط في أشهر محددة بحيث تكون هي الأشهر الأكثر شيوعًا للاعتداء المشدد تمامًا كما فعلنا في جرائم القتل.

ومع ذلك هذا ليس هو الحال، حيث ليست خصائص الطقس لموسم محدد هي التي تزيد بشكل مباشر من العدوانية لدى الأفراد، بل بدلاً من ذلك فإنّ السلوك الاجتماعي المميز للموسم لكل ثقافة هو الذي يغير احتمال أن ينتج السلوك الإجرامي ويبدو أن هذا ينطبق عبر الثقافات، وتستند معظم النتائج المتعلقة بموضوع الطقس والجريمة إلى بيانات أمريكية، ولكن الأبحاث التي أجريت في دول أخرى تشير إلى أنّه على الرغم من أنّ التأثيرات الموسمية والطقس على الجريمة تبدو عالمية، فإنّ الشكل الذي تتخذه يتشكل من خلال أنماط ثقافية فريدة.


شارك المقالة: