أسباب الجريمة من وجهة نظر النظريات النفسية

اقرأ في هذا المقال


من الصعب تحديد نظريات نفسية مميزة للجريمة، والمبدأ التوجيهي في هذا المدخل هو أنّ النظريات النفسية تركز بشكل خاص على تأثير العوامل الفردية والعائلية على الإساءة، وعادة ما تكون النظريات النفسية تنموية وتحاول شرح تطور المخالفة من الطفولة إلى البلوغ، وبالتالي تستند إلى دراسات طولية تتابع الأفراد بمرور الوقت، وينصب تركيز مثل هذه النظريات على الاستمرارية بدلاً من الانقطاع من الطفولة إلى البلوغ، والافتراض الشائع هو أنّ ترتيب الأفراد بناءً على بنية أساسية مثل الإمكانات الإجرامية ثابت نسبيًا بمرور الوقت.

لماذا يجب فهم نظريات علم الجريمة النفسية

يتعلم أولئك الذين يدخلون مجال العدالة الجنائية بسرعة أنّ فهم نظريات علم الجريمة عن سبب لجوء الناس إلى الجريمة، وهو المفتاح لخفض معدلات الجريمة وجعل المجتمع أكثر أمانًا، فبعد ثلاثة عقود من البحث ظهرت ثلاث نظريات نفسية رئيسية عن الزمن وهي: النظرية الديناميكية النفسية والنظرية السلوكية والنظرية المعرفية.

1- النظرية الديناميكية: تأتي هذه النظرية إلينا إلى حد كبير من عقل عالم النفس الشهير سيغموند فرويد، وقال إنّ كل شخص لديه دوافع غريزية (تسمى الهوية) تتطلب الإشباع، وتنظم القواعد الأخلاقية (تسمى الأنا العليا) وهذه الدوافع، ويطور البالغون فيما بعد شخصية عقلانية (تسمى الأنا) تتوسط بين الهوية والأنا العليا، وبناءً على هذه الفكرة يُنظر إلى السلوك الإجرامي في المقام الأول على أنّه فشل للأنا العليا.

2- النظرية السلوكية: تدور هذه النظرية حول فكرة أن السلوك البشري يتطور من خلال التجربة، لذلك إذا كان الشخص بصحبة أولئك الذين يتغاضون عن السلوك الإجرامي بل ويكافئهم -وخاصة شخصية ذات سلطة- فسيستمرون في الانخراط في هذا السلوك.

3- النظرية المعرفية: تركز النظرية المعرفية على كيفية إدراك الناس للعالم وكيف يتحكم هذا الإدراك في تصرفاتهم وأفكارهم وعواطفهم، ويقسم معظم أصحاب النظريات المعرفية العملية إلى ثلاثة مستويات لما يسمى التطور الأخلاقي، وفي مجال الجريمة يجادل المنظرون المعرفيون بأنّ المجرمين لا يطورون حكمًا أخلاقيًا إلى ما بعد مستوى ما قبل التقليدي.

تخضع نظريات علم الإجرام الثلاث هذه للتدقيق والمراجعة المستمر، لكنها توفر الأسس التي تستند إليها الأفكار الحالية، وهذه النظريات هي واحدة من أكثر جوانب علم الإجرام إثارة للاهتمام التي تعلمها أولئك الذين يلتحقون ببرنامج درجة العدالة الجنائية، ويعد تعلم نظريات علم الإجرام هذه وكيفية وضعها موضع التنفيذ أحد مكونات برنامج درجة بكالوريوس العلوم في العدالة الجنائية عبر الإنترنت، وبالنسبة للعديد من الطلاب يعد فهم سبب ارتكاب الأشخاص للجرائم أحد الأسباب الرئيسية التي يرغبون في دخولها مجال العدالة الجنائية.

كما ظهرت النظريات الإجرامية الرئيسية الثلاث بعد عقود من البحث في العقل الإجرامي، فتركز النظرية الديناميكية النفسية على تجربة الطفولة المبكرة للشخص وكيف تؤثر على احتمالية ارتكاب الجريمة، بينما تركز النظرية السلوكية على كيفية تأثير تصور العالم على السلوك، وتركز النظرية المعرفية على كيفية تعبير الناس عن تصوراتهم التي يمكن أن تؤدي إلى حياة الجريمة.

السلوك السيء المؤدي للجريمة والتفسير النفسي

ينظر علماء النفس إلى الإساءة كنوع من السلوك مشابه في كثير من النواحي للأنواع الأخرى من السلوك المعادي للمجتمع، ومن ثم يمكن تطبيق نظريات وأساليب ومعرفة أنواع أخرى من السلوك المعادي للمجتمع في دراسة الجريمة، شاع للأستاذة الأمريكية لي روبينز (Lee Nelken Robins) النظرية القائلة بأنّ الإساءة هي أحد عناصر متلازمة أكبر للسلوك المعادي للمجتمع، بما في ذلك الإفراط في شرب الخمر وتعاطي المخدرات والقيادة المتهورة والمشاكل التعليمية ومشاكل التوظيف والصعوبات في العلاقات وما إلى ذلك.

وهذا هو أساس التصنيف النفسي لاضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وجادلت روبينز أيضًا بأنّ الشخصية المعادية للمجتمع واضحة في وقت مبكر من الحياة وأنّها تميل إلى الاستمرار من الطفولة إلى البلوغ مع مظاهر سلوكية مختلفة.

عادة قد تشمل النظريات النفسية عمليات التحفيز والتثبيط واتخاذ القرار والتعلم، والفكرة التحفيزية الأكثر شيوعًا هي أنّ الناس (وخاصة الأطفال) يتمتعون بطبيعتهم بالمتعة والأنانية ويبحثون عن المتعة ويتجنبون الألم، وبالتالي فإنّ الأطفال بطبيعتهم غير اجتماعيين، وفكرة كلاسيكية أخرى هي أنّ الناس لديهم الحافز للحفاظ على المستوى الأمثل من الإثارة، بحيث إذا انخفض مستواهم عن المستوى الأمثل فسيحاولون زيادته، بينما إذا كان أعلى من المستوى الأمثل فسيحاولون خفضه، وبالتالي قد يسعى الشخص الذي يشعر بالملل إلى الإثارة.

آليات كبح الجريمة

نظرًا لأنّه يُنظر إلى الإساءة على أنّها طبيعية بشكل أساسي فإنّ معظم النظريات النفسية تحاول تفسير تطور الآليات التي تمنع الإساءة مثل الضمير، وغالبًا ما يُفترض أنّ الضمير ينشأ في عملية تكييف (اعتمادًا على الارتباط بين السلوك المعادي للمجتمع والقلق الناجم عن العقاب الأبوي)، أو في عملية التعلم (حيث يزداد احتمال السلوك أو ينقص وفقًا لمكافآت الوالدين أو العقوبات)، وغالبًا ما تتضمن النظريات النفسية العمليات المعرفية (التفكير أو اتخاذ القرار) التي تشرح سبب اختيار الناس للإساءة في موقف معين، والافتراض الشائع هو أنّ المخالفة منطقية في الأساس، وأنّ الناس سوف يسيئون إذا اعتقدوا أنّ الفوائد المتوقعة ستفوق التكاليف المتوقعة.

بشكل عام يلتزم علماء النفس بالدراسة العلمية للسلوك البشري، مع التركيز على النظريات التي يمكن اختبارها وتزييفها باستخدام البيانات التجريبية والكمية والتجارب المضبوطة والملاحظة المنهجية والتدابير الصحيحة والموثوقة وتكرار النتائج التجريبية وما إلى ذلك، وتم إجراء الكثير من الأبحاث في السنوات الأخيرة ضمن نموذج عامل الخطر، مع التركيز على مدى عوامل الخطر مثل الاندفاع أو ضعف الإشراف الأبوي في توقع حدوث مخالفة، ويبحث هذا البحث أيضًا في الآليات أو العمليات السببية المحتملة التي تتدخل وتشرح الارتباط بين عوامل الخطر والجريمة.

فرضيات علم الجريمة النفسي

هناك العديد من السمات المشتركة في النظريات النفسية الحالية للإساءة، وتفترض معظم النظريات علم الجريمة النفسي ما يلي:

1- هناك اختلافات فردية متسقة في البنية الأساسية مثل الإمكانات الإجرامية أو الشخصية المعادية للمجتمع.

2- مذهب المتعة أو السعي وراء المتعة هو عامل التنشيط الرئيسي.

3- هناك منع داخلي للإساءة من خلال الضمير أو آلية مماثلة.

4- تعتبر طرق تربية الأطفال التي يستخدمها الآباء حاسمة في تنمية هذا الضمير في عملية التعلم الاجتماعي.

5- عندما يقدم الآباء نماذج معادية للمجتمع يمكن أيضًا تعلم السلوك المعادي للمجتمع.

6- ارتكاب الجرائم في أي موقف ينطوي بشكل أساسي على قرار عقلاني يتم فيه موازنة التكاليف المحتملة مقابل الفوائد المحتملة.

7- الاندفاع أو ضعف القدرة على أخذ العواقب المستقبلية المحتملة للإجرام في الاعتبار والتأثر بها، وهو عامل مهم وغالبًا ما يرتبط بضعف القدرة على التلاعب بالمفاهيم المجردة.

يجب أن تكون النظريات النفسية المستقبلية للمخالفة أوسع نطاقًا بما في ذلك العوامل البيولوجية والفردية والعائلية والنظراء والمدرسة والحي، بالإضافة إلى عمليات التحفيز والتثبيط وصنع القرار والتعلم، ومن المعقول اقتراح نماذج متسلسلة تؤثر فيها، فعلى سبيل المثال عوامل الحي مثل الفوضى الاجتماعية على عوامل الأسرة مثل تربية الأطفال، والتي بدورها تؤثر على العوامل الفردية مثل الاندفاع، وتهدف النظريات الحالية إلى شرح جميع أنواع المجرمين، ولكن قد تكون هناك حاجة إلى نظريات مختلفة لشرح المجرمين العرضيين أو الظرفية بدلاً من المجرمين الدائمين أو المزمنين بأسلوب حياة غير اجتماعي، ومع ذلك من المهم ألّا تصبح النظريات معقدة للغاية بحيث يمكنها تفسير كل شيء ولكن لا تتنبأ بأي شيء.

يجب تحديد النظريات بعناية بحيث تؤدي إلى تنبؤات تجريبية قابلة للاختبار، وكان التركيز في الماضي على شرح العلاقات المعروفة بين عوامل الخطر والمخالف بدلاً من التنبؤ بالنتائج الجديدة، ويجب أن يخطط منظرو المستقبل لبرنامج للتطوير النظري حيث تتقدم النظريات والأدلة معًا بطريقة تراكمية مع النظريات التي توجه البحث والنتائج التي تؤدي إلى تحديد أفضل للنظريات.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: