إشكاليات الثقافة الوطنية:
الثقافة الوطنية هي الجزء الرئيسي لهوية أي شعب يأخذ منها أفكاره عن العالم وملاحظاته على السلوك، تظهر صفاته في الأشخاص وفي الشعوب على حد سواء، وفي الوعي الفردي الاجتماعي والتاريخي، وقد قام البعض بربط الثقافات الوطنية بأنماط الروح الإنسانية وبنماذج مسبقة تتحكم في بنيتها.
فهي تعبير عن أمزجة الشعوب وكيفية تعايشها وتاريخها على نحو استنباطي أولي، وقد يسميها البعض القومية بدلاً من الوطنية، فارتباط الثقافة بالوطن ارتباطاً بالقوم، إذ لا وطن بلا قوم ولا قوم بلا وطن، فلفظ الوطنية يشارك فيه الوطنيون جميعاً سواء كانوا قوميين أو ليبراليين أو ماركسيين أو إسلاميين.
أهم إشكاليات الثقافة الوطنية المعاصرة:
لا شك أن الأزمة التي تواجهها الثقافات الحالية هي جزء صغير من أزمة الدولة القومية الوطنية من جانب، ومن جانب آخر أزمة إنشاء ثقافة ذات طابع وطني، يتم إدراجها في إطار بنية اقتصادية اجتماعية متوازنة منذ عقود طويلة من الركود والتأخر والتبعية.
حيث طرح سؤالاً عن لماذا تأخر مجتمع وتقدم غيرهم في أمر الثقافة الوطنية؟ وقد تمت الإجابه عليه بالتكلم عن إشكالية الثقافة الوطنية، بأنه باختلاف العلاقة بين الوعي والفعل، وبين الوعي المنقوص والفعل العاجز، وبين التوفيقية الملتبسة وافتقاد القدرة على الحسم الثقافي.
في الحقيقة ترجع أزمة الثقافة الوطنية في جزء أساسي منها إلى أزمة العامل الاجتماعي لتلك الثقافة، فمع بداية السبعينات من القرن العشرين بدأت كافة دول العالم تعيش أزمة جديدة وقد أظهرت في تصدع الفئات الوسطى أي الفئات التي كانت العامل الاجتماعي للثقافة الوطنية، أي منذ الإخفاق النهضوى في أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين.
كما أن النظام الثقافي الوطني شارك إلى حد بعيد في إبعاد الشعوب عن دائرة المشاركة الفعلية في النظام الثقافي الكوني، وجعلهم أسرى الثقافة الاستهلاكية، وفي المقابل حول الثقافة التراثية إلى قلاع مغلقة تحاول تصوير نفسها، خوفاً من رياح التغيير، وتحتمي وراء التقليد وترديد مقولات السلف الصالح.
كذلك تعتبر نظام يتناقض مع نفسه، وهو يتميز بخلوّه من الاتساق والمصداقية، يسعى لإشاعة ثقافة الغفلة والامتثال والخضوع والعاطفة الجوفاء، بينما يهمل أو يغفل ثقافة الوعي الموضوعي بحقائق الأشياء وواقع العصر الذي تعيش فيه، وقد أدى كل ذلك إلى تصاعد نزاعات التعصب والتطرف.
فإذا تم توجه نظر الأشخاص إلى الوضع العام للثقافات الوطنية يتضح لهم بلا تردد كيفية تماسك الثقافة، كذلك عملية التذبذب الواضح والاندماج بصورة ظاهره بين التيارات التقليدية والمعاصرة بين ثقافة الجماهير وثقافة النخبة.
ولا نقاش في أن حالة كهذه تظهر إشكاليات كثيرة متباينة يصفها البعض بالثنائية والازدواجية أو بالانشطار، وبالرغم من تعدد هذه التسميات إلا أنه عندما تلتقي جميعاً تسمي “الاغتراب الثقافي“، والواقع أن ذلك من شأنه إحداث حالة من التشوه في بنية العقل الوطني أو ما يطلق عليه حالة التعايش الثقافي الفارق.
حيث ياحذ أجزاء من التقليدية التكيف والاستكانة، وعناصر أخرى من الصراع والتباين والاختلاف، أو بالأحرى التباين بين ما هو كامن وما هو ظاهر بين ما هو تقليدي سلفي وما هو جديد، بين ثقافة ترسيخ الواقع وثقافة مناهضة الواقع.
تصبح واجهة الثقافة الوطنية وكأنها تأخذ بين طبقاتها عناصر من الجمود والحداثة في آن واحد، ويشكل صراع بين تيارين متناقضين، الأول ينطلق من مفاهيم آليات دفاعية تقاوم التجديد السلفية، والثاني يجسد عملية الاختراق الثقافي ويبشر به المعاصرة، ويتخذ كل طرف من الطرفين المتعارضين وسائل وأساليب دفاعية ومؤسسات تعليمية واجتماعية ودينية في سبيل إعادة إنتاج ثقافة وتكريسها لخدمة هويته وأيديولوجيته.
هنا أيضاً لا يغيب عن فكرنا في ظل شعور الخوف من عملية الاختراق أو الغزو الثقافي كما يطلق عليها، وأن التواصل حق مكتسب للجميع فالثقافة في مجتمع عربي ما مثلاً لم تكن في الواقع مجرد حلقة وصل بين الثقافة اليونانية والثقافة الأوربية الحديثة بل كانت بالفعل إعادة لجانب مبهم من الثقافة اليونانية العلوم والفلسفة.
وقد قامت الثقافة الحديثة بإعادة إنتاج كل من الفلسفة والعلوم والمباحث للثقافة الوطنية، إذا تم إتاحة التحليل الخطاب الثقافي الوطني للأشخاص، وفي ذلك نتوقع أن نلمس إشكالية التداخل بين ما هو ثقافي وما هو سياسي، كذلك بين عمليتي التثاقف والهيمنة، كذلك تتلخص الثقافة الوطنية ببعض التيارات التي يطلق عليها تعسفاً الأصولية.