أنساق التوازن التفاضلي في الفعل الاجتماعي:
يتمثل الكشف عن الفاعل في إطار عملية الاختيار، جانباً واحداً فقط من جوانب وجوده في الحياة الاجتماعية، لذلك فإن اعتبار الطوعية صيغة رئيسية متفردة في الحياة الاجتماعية، يتنكر للبنى والأنماط المؤسسة؛ فالفاعل يظهر في اقترانات علائقية إجبارية، وأدوار اجتماعية مؤسسية، كما بينّت الطوعية المقيدة، أن هناك نسقية مضمرة حتى في إطار الطوعية.
فالمعايير الضابطة للاختيار هي أساساً نظام فوق فردي يمتاز بالثبات النسبي والاستمرار، ولذلك فإن المعايير الاجتماعية تضفي على الفعل، شكلاً من الانتظام، إن المعايير لا تجعل النظام ممكناً بموجب إجبار فرد واحد بها فقط، بل إن النظام يتحقق عن طريق إجبار الغالبية من الفاعلين بها، وإن كانت أفعالهم مستقلة عن بعضها، والمنطق الكامن من وراء وذلك، أن المعايير هي نتاج اجتماعي وليس فردي، وهكذا يمكن اعتبار الطوعية والنسقية مجالات منفصلة حول منطلقات تركيز التحليل بالنسبة للفاعل، تلتقي نظرياً وعملياً.
إن التحليل النسقي للفعل، يكشف عن تحالف نسقي متقن يعتقل الفعل ويقيده، ويجعله في إطار حلقة مفرغة بين النسق الثقافي، ونسق الشخصية، والنسق الاجتماعي، وتبدو خطورة هذا التحالف، عندما تعمل هذه الأنساق بكافة مكوناتها ومحتوياتها الداخلية لمصلحة أصحاب القوة، مما يجعل الفعل الاجتماعي في مأزق حقيقي يصعب الفكاك منه.