أهم أحداث فتوحات سلم بن زياد في الجناح الشرقي للدولة الأموية

اقرأ في هذا المقال


قام معاوية بن أبي سفيان بعزل سعيد بن عثمان بن عفان في عام 57هـ، وأُضيفت خراسان لولاية عبيد الله بن زياد ولكن في رواية أُخرى ذكرت أن ولاية خراسان كانت لعبد الرحمن بن زياد، ومات معاوية وعبد الرحمن والياً على خراسان، وعندما سار سلم بن زياد إلى خراسان كتب إلى أخيه عبيد الله بن زياد لينتخب له ستة آلاف فارس، وكان سلم ينتخب الوجوه.

فتوحات سلم بن زياد في الجناح الشرقي للدولة الأموية:

خرج عمران بن الفضيل والفضيل البُرجُمي والمهلب بن أبي صفرة الأزدي وعبد الله بن خازم السلمي وطلحة بن خلف الخزاعي مع سلم بن زياد، بالإضافة للكثير رؤوساء البصرة وأشرافهم، فقام سلم بأخذ الفرسان معه إلى البصرة وتجهز ثم انطلق للذهاب إلى خراسان، ثم بدأ بغزو خوارزم فقام أهلها بمصالحته على أربعمائة درهم وأرسلوها إليه.
قام سلم بن زياد بقطع نهر جيحون وكانت برفقته زوجته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي، وكانت هي أول امرأة تقوم بعبور النهر، ثم وصل سلم إلى سمرقند وصالح أهلها ولكنه وجد خاتون ملكة بُخارى قد نقضت العهد، وقامت بالاستغاثة من جيرانها الصغد وأتراك الشمال، فوصل طرخون على رأس جيش الصغد، كما جاء ملك الترك على رأس جيش هائل.

خروج المهلب بن أبي صفرة الأزدي بمهمة استطلاعية عند أعدائهم التُرك:

بالرغم من كثافة جيوش أعداء المسلمين ألا أنهم لم يؤثروا على معنويات الجيش الإسلامي، فقاموا بمحاصرة بُخارى بدون أن يقوموا بالهجوم عليها؛ حتى يقوموا بالوقوف على قوات أعدائهم ومواضعهم في البداية، وكانوا يتربصون بهم في مواقع ليست بعيدة عن بُخارى، وقام سلم بن زياد بإعطاء الأمر للمهلب بن أبي صفرة أن يقوم بالاستطلاع عن أحوال العدو.
ولكن المهلب بن أبي صفرة الأزدي رفض ذلك وطلب من سلم أن يعين غيره ليقوم بتلك المهمة؛ وذلك لأن مكانة المهلب عند جيش المسلمين عظيمة وإذا تغيب عن أعينهم سوف يستطيع العدو معرفة الواجب الذي أُوكل إليه، ولأن هذا الواجب مهم جداً يجب ألَّا يعلم به أحد، ويجب أن يبقى سرياً ويُنفَّذ بكتمان وحذر تام، وإن علم العدو بهذا الأمر سيعرِّض المسلمين لخطر بالغ.
ولكن كان سلم بن زياد مُصِّراً على أن يقوم المهلب بن أبي صفرة الأزدي بهذا الواجب؛ لأنه هو الوحيد القادر على ذلك، وقد لا يستطيع غيره أن ينفذه كما يُطلب، فقام بإرساله مع ابن عمه ورجلاً واحداً من كل لواء من ألوية الجيش، وقام المهلب بالاشتراط على ألَّا يبوح أحد أحد بهذه المهمة الخطيرة، ثم انطلق ليلاً مع جماعته ليستطلع أخبار العدو وأحوالهم.
بقي المهلب بن أبي صفرة الأزدي ومن معه في مكان مستور، وقام بالاستطلاع بدون أن يعرف العدو أي شيء، وعندما فقده الجيش في تلك الليلة في صلاة الفجر وذلك بسبب مكانته العالية عندهم، ذهبوا مسرعين إلى سلم بن زياد يحلِّفونه ويلحوا عليه بالسؤال عن المهلب، فلم يستطع سلم السكوت أكثر فأخبرهم بأنه أرسله لمهمة استطلاعية، فوصل الخبر للجميع بسرعة كبيرة.
قام جمعٌ من المسلمين بالإسراع لركوب الخيل وانطلقوا للمكان الذي فيه المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وكشفوا الموقع الخفي الذي كان فيه هو ورجاله للعدو، وعندما رآهم المهلب قادمين إليه يتسابقون بدون أي تنظيم لامهم بشدَّة على ما فعلوه؛ لأنهم قاموا بكشف موقعه للأعداء بدون أي مبرر عندهم، وكان ذلك سبباً كافياً لتعريضهم لخطر كبير.
وقع المهلب بن أبي صفرة ومن معه بخطر داهم فقام بكل ما عنده من جهد حتى يُعالج الأمر ويخلص نفسه ومن معه من هذه الورطة، وبأن يتدارك أي شي يستطيع أن يتداركه، وقام المهلب بإحصاء الذين لحقوا به ليتطوعوا فكانوا تسعمائة فارس، فقال لهم: والله لتندمنَّ على ما فعلتهم، وحصل ما توقعه المهلب وما أن نظم صفوف من معه حتى هاجمه الترك وقتلوا أربعمائة فارس.
هرب من تبقى من جيش المهلب بن أبي صفرة وحاوطه الترك ومن معهده من عدد قليل محدود، ولكنه بقي ثابتاً صامداً لم يتزعزع فالموت عنده أهون من الفرار، وصاح بصوته الجهوري وسمعه المسلمين من المعسكر القريب الذي كان يبعد نصف فرسخ عن موقعه، وأسرع قومه الأزد لنجدته والوقوف معه، فقاموا بإشغال التُرك حتى وصل المسلمون طلباً لنجدته بقيادة سلم بن زياد.
حصل لقاء عنيف بين جيش المسلمين والتُرك وكان الانتصار حليفاً للمسلمين، فقد خسر التُرك خسارةً نكراء ثم هربوا من ساحة المعركة تاركين ورائهم الكثير من الأموال والغنائم، فقام المسلمين باغتنامها حتى حصل كل مسلم على ألفين وأربعمائة درهم، وقاموا بمطاردة التُرك الذين هربوا ولم ينجُ منهم إلا الشريد، وكان من بين قتلاهم بيدون ملك الصغد.

عزو خُجَنْدة:

قامت خاتون باستعادة الصُلح مع المسلمين واستعادت بذلك فتح بُخارى، وقام سلم بن زياد بإرسال جيشه وهو في الصغد إلى خُجَنْدة فتمت هزيمة المسلمين، وكان عُمَّال خراسان يقومون بالغزو ويتوقفون في فصل الشتاء ويعودون أدراجهم إلى مزوا الشاهجان، وعندما يذهب المسلمون يقوم ملوك خراسان في مدينة تلي خوارزم يتشاورون فيما بينهم ويتعاقدون ألا يغزوا بعضهم البعض.
عندما أتى سلم بن زياد إلى غزا فشتا في تلك السنة، فقام المهلب بن أبي صفرة بالإلحاح عليه أن يذهب لتلك المدينة، فأرسله ومعه أربعة آلاف مقاتل وقام بمحاصرتهم وطلبوا منه الصلح على أن يقوموا بافتداء أنفسهم، فقبل ذلك وتم الصُلح فكان يأخذ كل رأس أو دابة بنصف الثمن، ووصلت قيمة التي أخذها خمسين ألف ألف درهم، وقام سلم بالعودة إلى مرو.
وعلى ما يبدو أن سلم بن زياد قام بقطع نهر جيحون مرة أخرى في عام 63هـ؛ عندما علم أن أهل الصغد قاموا بالاجتماع عليه فقام بمقاتلتهم وقتل ملكهم، ولكنه عاد بسرعة إلى مرو؛ حتى يقوم بمعالجة المشاكل الداخلية التي حصلت بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في عام 64هـ، وتمت مبايعة ابنه معاوية بن يزيد للخلافة، ولكنه لم يلبث إلا ثلاثة أشهر ثُمَّ توفي.
عندما وصل خبر وفاة يزيد بن معاوية إلى سلم بن زياد كتم الأمر، ولكن الأمر انتشر سريعاً في خراسان ووصل لهم أمر وفاة يزيد وابنه معاوية، فدعا الناس لمبايعته على الرضى، فبايعوه ثم نكثوا بعهدهم معه بعد شهرين من البيعة، وكان سلم شخصاً محبوباً مُحسناً، ولكن قسم من القبائل العربية قاموا بخلعه تعصباً وفتنة، ولم يستطع أهل خراسان أن يجدوا أميراً مثله.
قام أهل خراسان بالانقلاب على عمالهم وأخرجوهم منها، وذهب كل قوم منهم إلى جهة وحصلت الفتنة بينهم ووقعت الحرب، وحصل قتالٌ بين القبائل العربية، وأصبح في كل منطقة في خراسان لها قائد وأمير، ووقع الكثير من القتلى من المسلمين، وتوقفت الفتوحات حينها وذهب سلم بن زياد إلى مكة المكرمة عند عبد الله بن الزبير.

المصدر: كتاب تاريخ الدولة الأموية، محمد سهيل طقوشكتاب الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتداء من فتنة عثمان، يوسف العشكتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابيكتاب العصر الأموي، صلاح طهبوب


شارك المقالة: