اقرأ في هذا المقال
على الرغم من أنّ النظريات المتكاملة لها تاريخ طويل، إلّا أنّه خلال العقود القليلة الماضية تم الاعتراف بهذه النظريات وقبولها كنظريات متكاملة بحتة، حيث يتم التركيز على أوصاف بعض النظريات المتكاملة الأكثر شيوعًا.
نظرية إليوت وأجتون وكانتر المتكاملة
في عام 1979 اقترح ديلبيرت إليوت (Delbert Elliott) وزملاؤه إحدى النظريات المتكاملة المعترف بها على نطاق واسع، واقترحوا مفاهيم الاقتراض من نظريات الإجهاد والتعلم الاجتماعي والرقابة الاجتماعية، حيث أنه يتبع الأفراد أحد مسارين في الانحراف، في المسار الأول يبدأ الأفراد ذوو المستويات المنخفضة من التحكم الاجتماعي في التفاعل مع أقرانهم الجانحين، وفي هذا المسار يتيح الحد من الرقابة الاجتماعية للأفراد الارتباط مع الجانحين الآخرين، وتجربة ضغط الأقران من هؤلاء الأقران وتعلم كيفية ارتكاب الجرائم الجانحين.
في المسار الثاني يعاني الأفراد الذين يتمتعون بمستويات أعلى من الرقابة الاجتماعية في مرحلة ما من الفشل في تحقيق الأهداف ذات القيمة الإيجابية أو الأهداف التقليدية، ونتيجة لهذه التجربة يبدأ الأفراد في الارتباط بأقرانهم الجانحين ويختبرون ضغط الأقران من هؤلاء الأقران ويتعلمون كيفية ارتكاب الجرائم الجانحين، وباختصار تجادل النظرية بأنّ الأفراد الذين يعانون من مستويات منخفضة وعالية من التحكم الاجتماعي قادرون على أن يصبحوا جانحين، والمتغير المركزي الذي يلعب دورًا مهمًا في التطوير المتأخر في كلا المسارين هو تعرض المرء والتزامه تجاه أقرانه المتأخرين في الدفع.
من المهم الإشارة إلى أنّ نظرية إليوت وآخرين في عام 1979 هي نظرية متكاملة؛ لأنّها تقترض مفاهيم من ثلاث نظريات حسنة السمعة -وهي الإجهاد والرقابة الاجتماعية والتعلم الاجتماعي- وتوضح كيفية ارتباط هذه المفاهيم ببعضها البعض، وبشكل أكثر تحديدًا لا يُقترح أن يكون لجوانب الرقابة الاجتماعية والتوتر في النظرية تأثيرات مباشرة على الانحراف، بل بدلاً من ذلك يعمل كل من هذه المتغيرات من خلال التعرض والالتزام تجاه الأقران الجانحين، ويترتب على ذلك منطقياً أن استبعاد الأقران الجانحين من النماذج النظرية سيحد من قدرة النظرية على تفسير السلوك المنحرف والإجرامي، ولذلك فإنّ تكامل هذه النظريات الثلاث هو الذي يوفر الأساس لفهم مسببات الجريمة والانحراف.
نظرية ثورنبيري التفاعلية
في عام 1987 اقترح تيرينس ثورنبيري نظرية متكاملة مماثلة، ومثل إليوت وزملائه في عام 1979) استعار ثورنبيري عناصر من الرقابة الاجتماعية ونظريات التعلم الاجتماعي، وعلى وجه التحديد اقترح في النظرية التفاعلية أنّ الجنوح هو في المقام الأول وظيفة للأفراد الذين يرتبطون بأقرانهم الجانحين، ويُقال إنّ فرص الارتباط بهؤلاء الأقران هي النتيجة المباشرة للروابط الاجتماعية الضعيفة (أي السيطرة الاجتماعية) التي يمر بها الأفراد مع تقدم الأفراد خلال مسار الحياة، وعلى عكس إليوت وزملائه استبعد ثورنبيري أي مشاركة مفاهيمية لنظرية الإجهاد في تطوير النظرية التفاعلية.
أهم ما تتميز به النظرية التفاعلية لثورنبيري
ميزتان مميزتان للنظرية التفاعلية ثورنبيري (1987) تميزها عن النظريات المتكاملة الأخرى بشكل عام ونظرية إليوت وزملائه في عام 1979 على وجه التحديد وهما:
1- أولاً تؤكد النظرية التفاعلية على وجود تأثيرات متبادلة في البنية السببية لظهور الجنوح، وعلى عكس معظم النظريات التي تفترض أو تحدد المسارات السببية في اتجاه واحد (عادةً من اليسار إلى اليمين) وتفترض النظرية التفاعلية أنّ المتغيرات المهمة داخل النموذج تمتلك تأثيرات متبادلة أو ردود فعل، فعلى سبيل المثال على الرغم من أنّ إضعاف الروابط الاجتماعية قد يؤدي بالفرد إلى الارتباط بأقرانه الجانحين إلّا أنّه يُنظَر أيضًا إلى أنّ الارتباط مع أقرانه الجانحين يزيد من إضعاف الروابط الاجتماعية.
2- ثانيًا تركز النظرية التفاعلية على الطبيعة التطورية لمسببات الانحراف والجريمة، وبعبارة أخرى صاغ ثورنبيري نظرية تشرح بداية الانحراف ومثابرته ورفضه وتغير أهمية المفاهيم في هذه المراحل المختلفة من مسار الحياة، ومن الملاحظ أنّه على الرغم من أهمية الارتباطات الأبوية (أي الروابط الاجتماعية) في تفسير بداية الجنوح في وقت مبكر من مسار الحياة، فإنّ هذه المفاهيم نفسها تصبح أضعف نسبيًا في تفسير استمرار الانحراف عندما يتنقل الأفراد في تطوير فترة المراهقة.
نظرية اجنيو العامة للضغط
في عام 1992 أدرك روبرت أجنيو (Robert Agnew) أنّ نظرية الانفعال التقليدية لميرتون تمتلك مجموعة متنوعة من القيود التي قيدت الدعم التجريبي الذي تلقته، ومن خلال القيام بذلك أعاد أجنيو صياغة نظرية الإجهاد التقليدية إلى نظرية الإجهاد العام عن طريق تحويل التركيز من الطبقة الاجتماعية أو المتغيرات الثقافية، والتقاط المشاعر من السياق الظرفية الذي يتطور فيه الجنوح والجريمة، وبدأ أجنيو في عام 1992 بالتعرف على ثلاثة مصادر للإجهاد يمكن للفرد تجربتها على مدار حياته وهم:
1- أولاً على غرار منظري الإجهاد التقليديين حدد أجنيو الفشل الفعلي أو المتوقع في تحقيق الأهداف ذات القيمة الإيجابية كمصدر للإجهاد، وعلى سبيل المثال قد يشعر الأفراد بالتوتر لأنّهم لا يستطيعون تحقيق النجاح الاقتصادي أو المالي أو قد لا يتمكنون من تحقيق وضع معين داخل المدرسة الثانوية.
2- ثانيًا حدد أجنيو الإزالة الفعلية أو المتوقعة للمنبهات ذات القيمة الإيجابية كمصدر محتمل للإجهاد، وقد يحدث هذا التوتر على سبيل المثال عندما يعاني الأفراد من وفاة شخص قريب منهم أو عندما تنتهي علاقة حميمة أو مواعدة أو عندما يتم إنهاء عمل شخص ما كان يتمتع به، والنقطة المهمة هي أنّ شيئًا ما كانوا يطمحون إليه قد أزيل من حياتهم.
3- أخيرًا حدد أجنيو العرض الفعلي أو المتوقع للمثيرات السلبية كمصدر نهائي للإجهاد الذي يمكن أن يعاني منه الأفراد، وتتضمن الأمثلة على هذا المصدر الأخير للإجهاد الإقامة داخل منزل مسيء أو الذهاب إلى مدرسة خطرة أو العمل تحت إشراف مشرف يظهر سلوكيات سلبية أو مضايقة.
الافتراض الأساسي لنظرية الإجهاد العام هو أنّه مع زيادة مستويات الإجهاد يكون الأفراد أكثر عرضة للانخراط في الانحراف والجريمة، ومع ذلك حتى في أكثر المواقف سوءًا أو إرهاقًا التي قد تكون ناجمة عن الإجهاد يكون بعض الأفراد قادرين على عدم الاستجابة بطرق منحرفة أو إجرامية، وإدراكًا لهذه النتيجة حدد أجنيو في عام 1992 العديد من القيود التي قد تجعل الاستجابات الفردية للإجهاد، وتنقسم متغيرات التكييف هذه إلى فئتين وهم:
1- عوامل التكييف التي تزيد من احتمال إظهار رد جانح أو جنائي.
2- عوامل تكييف تقلل من احتمال إظهار رد مخالف أو جنائي.
من حيث الاستجابات الشرطية التي تم تحديدها لزيادة النتائج الجانحة والإجرامية سلط أجنيو الضوء على عوامل مهمة، مثل ضبط النفس والارتباط مع الأقران الجانحين واستيعاب المعتقدات المعادية للمجتمع، وبدلاً من ذلك من حيث الاستجابات الشرطية التي تم تحديدها لتقليل النتائج الجانحة والجنائية وجهنا أجنيو إلى عوامل مثل استراتيجيات المواجهة الفردية وتلقي الدعم الاجتماعي من الآخرين ووجود الروابط الاجتماعية والخوف من العقوبات الرسمية، وباختصار تكون الاستجابات التكييفية عادةً متغيرات مهمة من نظريات إجرامية بارزة أخرى مدمجة في صياغة نظرية الإجهاد العام.
تعتبر نظرية الانفعال العام نظرية متكاملة لسببين وهما:
1- أولاً قام أجنيو بدمج البنى الاجتماعية والنفسية بشكل فعال أي اجتماعيًا (أو في مواقف معينة)، فقد يواجه الأفراد أحداثًا أو ظرفًا غير مألوف لهم (أي طردهم من وظيفة أو فقدان أحد الوالدين)، ولكن نفسياً يجب عليهم الاستجابة بطريقة ما لهذا الموقف المعاكس.
2- ثانيًا كما تم إبرازه في النص السابق أدرج أجنيو مجموعة متنوعة من الاستجابات التكييفية المستعارة من نظريات منافسة أخرى، وفي هذا المنعطف يتجلى التكامل النظري في نظرية الانفعال العام.