أهم معالم فكر دوركايم في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


أهم معالم فكر دوركايم في علم الاجتماع:

إن دوركايم قد بدأ بالتسليم بأن المجتمع عبارة عن نسق من الأخلاقيات لا يمكن ملاحظته مباشرة، ولكن من خلال ما يفصح عنه من سلوك وأشياء قابلة للملاحظة، ولا يعني ذلك إطلاقاً أنه يركز على دراسة أشياء مادية، ولمنه يريد أن يرقى بالأفكار إلى مستوى الأشياء القائمة بذاتها، كما سلم اميل دوركايم بأن أفراد المجتمع عليهم أن يخضعوا تماماً للضمير الجمعية، وما يحتويه من مبادئ وقواعد أخلاقية وقد اتضح ذلك كما رأينا في وصفه للوقائع الاجتماعية بأنها ذات طبيعة إلزامية وإجبارية للأفراد.

ومن الواضح أيضاً أن دوركايم قد سلم بأن الإنسان جشع بطبعه، وأنه دائماً يسعى إلى الحصول على المزيد ولا يقنع إطلاقاً، وبالتالي فإنه لا بدّ من أن تكون هناك سلطة ما تمارس القهر والإجبار عليه بحيث يقنع بما قسم له، أما فيما يتعلق بالمتغيرات التي يفسر بها اميل دوركايم الظاهرات الاجتماعية المختلفة فقد رأينا أن هذه المتغيرات هي أساساً متغيرات فكرية وأخلاقية وأنه قد استبعد تماماً المتغيرات التاريخية والمتغيرات المادية.

ولا بدّ أن نذكر هنا أيضاً الإجراءات العملية التي يمكن أن تترتب على نظرية اميل دوركايم، قد حاول أن يكون عالماً موضوعياً محايداً ولكنه قد قرر بالفعل بأن علم الاجتماع لا بدّ وأن يلعب دوراً في تحسين أحوال المجتمع، وقد كان دوركايم يأمل في أن يقدم برامج سياسيي واجتماعية تعتمد على الدراسة الاجتماعية الموضوعية للمجتمع، وأن اهداف دوركايم الأساسية من تقديمه لهذه النظرية، هو أن يجعل علم الاجتماع بديلاً للاشتراكية أي أن يجعل علم الاجتماع هو المرشد للسياسة، ورجال الصناعة في توجيه المجتمع لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وللحيلولة دون حدوث أي اضطرابات في النظام الاجتماعي القائم أي النظام الرأسمالي.

ويتضح من المضمون الأيديولوجي لنظرية دوركايم فمن فهمنا ﻷفكاره جميعاً، يتضح أن نظريته ذات طابع محافظ تماماً لا يمكن أن يخطئه الإنسان فيرى زايتلن مثلاً أن هدف دوركايم في الواقع كان الحفاظ على النظام الاجتماعي بأي ثمن، وبأي طريقة وبأن دوركايم قد بذل قصارى جهده من أجل أن يسخر علم الاجتماع في تحقيق هذا الهدف نستشهد هنا بعبارة لدوركايم يقول فيها، إن ما نحتاج إليه لكي نحقق الاستقرار في النظام الاجتماعي هو أن نجعل جماهير الناس قانعة بما قسم لهم، ولكن ما يجب عمله لكي نجعلهم قانعين بنصيبهم في الحياة هو أن نقنعهم بأن ليس لهم الحق في أن يحصلوا على أكثر مما لديهم، ولكي نحقق ذلك فإنه من الضروري تماماً أن تكون هناك سلطة عليا يعترفون بها وترشدهم دائماً إلى الصواب.

ويجدر بنا أن نذكر هنا أن الأفكار الأساسية التي عبر عنها دوركايم لم تنتهي بوفاته، ولكنها قد راجعت كثيراً في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وصيغت وحولها نظريات أخرى جديدة سواء كانت نظريات وضعية أو نظريات وظيفية، وممّا هو جدير بالذكر أن واحداً من العلماء الأمريكيين وهو روبرت ميرتون قد صاغ نظريته اعتماداً على الأفكار الأساسية عند اميل دوركايم، وكذلك الحال بالنسبة للكثيرين من علماء الاجتماع الأمريكيين.

ويذكر كالفن لارسون، أن فكر اميل دوركايم قد لقى رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد فترة الكساد الاقتصادي التي سادت أمريكيا في الثلاثينات، والتي فتش علماء الاجتماع الأمريكيون بعدها عن تفسيرات اميل دوركايم لهذه الأزمة، التي يمر بها المجتمع الأمريكي وحاولوا أن يستعينوا بما قدمه من حلول لكي يرضى الناس بأوضاعهم الاجتماعية المتدهورة في تلك الفترة، بعبارة أخرى أعاد علماء الاجتماع المريكيون اكتشاف اميل دوركايم بعد فترة الكساد الاقتصادي في الثلاثينات، واهتموا به اهتماماً كبيراً بعد ذلك وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وفي ذلك يقول أحد العلماء الأمريكيين وهو هينكل، إن الاهتمام بدوركايم في الأربعينات والخمسينات قد اتسع نطاقه، وبخاصة منذ عام 1940، وأصبح دوركايم شخصية محورية في الكثير من المجالات العلمية المتخصصة.

ويمكننا أن نلاحظ تأثير اميل دوركايم في تخصصات معينة مثل علم اجتماع القيم، وعلم اجتماع المعرفة وعلى الاجتماع الديني وعلم الاجتماع الصناعي، وعلم الاجتماع القانوني وعلم الاجتماع الجنائي وعلم اجتماع المجموعات الصغيرة، والتنظيمات الاجتماعية، والتغير الاجتماعي وأيضاً السلوك الجمعي، كما أن الكثيرين من علماء الاجتماع الغربيين المعاصرين يتبنون أفكار دوركايم، ويقول عالم الاجتماع نسبت عن اميل دوركايم، أنه هو عالم الاجتماع الحقيقي والكامل.


شارك المقالة: