أوجست كونت والتفسير الوضعي في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


أوجست كونت والتفسير الوضعي في علم الاجتماع:

يعتبر أوجست كونت من أبرز وأفضل السوسيولوجين الذين تبنوا منهج التفسير في دراسة الظواهر السوسيولوجية، طبقاً لأربعة تنفيذات رئيسية هي، الملاحظة والتجربة والمقارنة والمنهج التاريخي، مستصلحاً آليات الكيمياء والفيزيولوجيا، وفي هذا القول، يتحدث نيقولا تيماشيف في كتابه نظرية علم الاجتماع، طبيعتها ونموها، حيث تبرأ كونت بغض النظر عن تعليمه الرياضي الراقي إمكان التطابق بين المنهج الوضعي واستخدام الرياضيات والإحصاء.

أما دعوى أن المعالجة الرياضية للعلوم الاجتماعية ضرورية حتى يمكن اعتبارها علوماً وضعية، فتنتشر جذورها إلى علماء الطبيعة، وترسل من تعصب مؤداه أنه لا يوجد يقين خارج نطاق الرياضيات، وقد كان هذا التعصب طبيعياً ومنطقياً في الوقت الذي كان فيه كل ما هو وضعي ينتمي إلى مجال الرياضيات التطبيقية، كما أن هذه الميادين الوضعية جمعياً لم تكن تنطوي على ما هو غامض وتخميني، لكن هذا التعصب أصبح غير منطقي ولا مبرر له منذ ظهور العلمين الوضعيين العظيمين، الكيمياء والفيزيولوجيا، حيث لا يلعب التحليل الرياضي فيهما أي دور، ولا يقلا يقيناً وضبطاً عن العلوم الأخرى.

يعتبر كونت من أساس الوضعية، الذين أقاموا علم الاجتماع على إنشاء علمية تجريبية، اعتماداً على الملاحظة والتجربة والمقارنة والتاريخ، ويعرف كذلك بوضع قانون المراحل الثلاث الذي يتمثل فيما يلي: قانون المرحلة الدينية أو اللاهوتية، والمرحلة الميتافيزيقية، والمرحلة الوضعية.

وتوافق كل مرحلة من هذه المراحل تطور الإنسان من الطفولة حتى الرجولة، إذ تتناسب المرحلة اللاهوتية مع مرحلة النشأة والطفولة، وتتطابق مرحلة الميتافيزيقا مع مرحلة الشباب والمراهقة، وتتطابق مرحلة الوضعية مع مرحلة النضج والرجولة والاكتمال.

ولا تزال هذه الصيرورة التاريخية صيرورة نسبية وإيديولوجية، لأن كافة المراحل والمجتمعات الإنسانية قد عملت بهذه الأنماط التفكيرية الثلاثة حتى لدى الشعوب القديمة، وإذا أخذنا بالموضوع العربي في الفترة الوسيطة، فنرى اهتماماً عظيماً بالفكر الوضعي التجريبي، وفي الوقت ذاته كان الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي معروفين ومتجاورين في المجتمع جنباً إلى جنب.

ثم لا يمكن للفكر أن يتوقف في لحظة محددة، كثل ثبات التاريخ عند فوكوياما، أو توقف المجتمع الإنساني عند كارل ماركس بوصوله إلى المرحلة الشيوعية، ومن جهة أخرى فقد ساهمت الوضعية العقلانية في ظهور فلسفات غير وضعية وغير عقلانية، مثل السريالية والفرويدية، والوجودية، والتأويلية والذاتية.


شارك المقالة: