إعادة تعريف الظواهر الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


هناك إعادة نظر في بعض الحقائق التي أصبحت واضحة بشكل متزايد فيما يتعلق بمعنى الظواهر الاجتماعية، حيث تشير الأدلة من العديد من المصادر إلى أن اقتصار هذا المصطلح على ما يسمى بالسلوك الواعي غير مُرضٍ ومربك، فقيمة الظواهر الاجتماعية العلمية مشكوك فيها عندما يتم تعريفها على هذا النحو، وتشير هذه الأدلة أيضًا إلى أن تقييد المصطلح اجتماعي لسلوك الحيوانات البشرية مفتوح لاعتراضات مماثلة، وإن بيان المشكلة بشكل أكثر تفصيلاً وبعض الحقائق المعنية يبدو في الوقت المناسب مفيدًا.

إعادة تعريف الظواهر الاجتماعية

تعتبر الظواهر الاجتماعية على أنها تشمل كل السلوك الذي يؤثر أو يتأثر بالكائنات الحية بما يكفي للاستجابة لبعضها البعض، وهذا يشمل التأثيرات من الأجيال السابقة، فالتطورات في الدراسة الاجتماعية التي توفر أساسًا لهذا المفهوم هي الاتجاه العقلاني السلوكي والتأكيد على الطبيعة الموضوعية للحياة الاجتماعية، ودراسة المجموعات والحياة الجماعية والدراسة البيئية والإيكولوجية، إذ إن صحة المفهوم الذي يحد من الظواهر الاجتماعية لتفاعل البشر موضع تساؤل.

والأساس البارز لهذا التمييز هو الأساس النفسي لما يسمى بالوعي، ولا يقتصر النشاط الواعي المستخدم كمصطلح عام على الكائنات البشرية ولا يوفر أساسًا، فالتفاعل الواعي هو بسبب حقيقة إنه كان حيوانًا اجتماعيًا، والمشكلة تتعلق بالمواد التي سيدرسها علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، كما إنه لا يشير فقط إلى الدراسة البيئية بل يشير في المقام الأول إلى دراسة عمليات وتنظيم السلوك الجماعي بين الكائنات الحية، وربما يعني ذلك تطورًا أكبر بكثير في علم الاجتماع، وفي الوقت الحاضر هذا التطور هزيل للغاية.

فهل الظواهر الاجتماعية تشمل أكثر من الاستثارة البينية للأشخاص؟ في واقع الأمر لم يكن هناك إجماع على الإطلاق على أنها محدودة للغاية، وهل للحيوانات الأخرى حياة اجتماعية أم وجود بيولوجي فقط؟ وهل الإنسان هو الحيوان الاجتماعي الوحيد؟ غالبًا ما يُفترض أن الإنسان هو فقط الوحيد، وقد جادل بعض علماء الاجتماع ضد مفهوم أن الإنسان نفسه هو بطبيعة الحال حيوان اجتماعي.

وهل يقتصر السلوك الاجتماعي على الوعي؟ الاقتراح المقدم هو النظر في الظواهر الاجتماعية كتفاعل بين الكائنات الحية التي تعيش بشكل كافٍ للاستجابة لبعضها البعض بما في ذلك كل السلوك الذي يؤثر أو يكون نتيجة لسلوك آخر، وهذا يشمل التأثيرات من سلوك الأجيال الماضية، ونقطة الاهتمام ليست مصطلحات بل وقائعية على الرغم من إنه بالطبع له آثار على المصطلحات، فالشروط ليست مهمة طالما أن الحقائق مفهومة، والغرض من ذلك هو تقديم وجهة نظر مع الحقائق، وأن تكون مؤقة حيث من السهل أن تكون عقائدية وطرح الأسئلة بدلاً من حلها.

إعادة تعريف الظواهر الاجتماعية على أساس تطورات علم الاجتماع

قد يكون من الجيد الإشارة إلى بعض التطورات في علم الاجتماع التي لها تأثير على إعادة تعريف مفهوم الظواهر الاجتماعية، والتي ستساعد في تحديد وشرح طبيعتها:

1- النزعة السلوكية

ربما كان أحد أهم التطورات الحديثة في علم الاجتماع هو النزعة السلوكية، إذ يجب الاعتراف بهذه الحركة باعتبارها حركة مهمة، لا سيما لتأكيدها على الإجراء الموضوعي والعلمي، فلقد جعلت علماء الاجتماع يعيدون النظر في فئاتهم المقبولة، وعادة ما تكون إعادة الفحص هذه مفيدة، وهناك تحالف وثيق مع هذه الحركة هو التركيز الآن على الطبيعة الموضوعية للحياة الاجتماعية وعلى محاولات الحصول على بيان كمي للظواهر الاجتماعية.

وتعني الطبيعة الموضوعية للحياة الاجتماعية حقيقة أن السلوك الاجتماعي يمكن ملاحظته ظاهريًا إلى حد كبير، وليس محتواه بالكامل داخل الفرد كما كان يُفترض سابقًا، ومن المؤكد أن وجهة نظر هاتين الحركتين ستتطلب النظر في تفاعل جميع الكائنات الحية لتحديد إمكانية حدوث ظواهر اجتماعية موجودة فيها، ما لم يكن بعضها موجودًا، وتم استبعاده بداهة والذي في هذه الحالة يبدو إنه إجراء علمي مشكوك فيه إلى حد ما.

2- إظهار أهمية المجموعة والحياة الجماعية:

التطور الثاني هو إظهار أهمية المجموعة والحياة الجماعية، إذ تظهر الأدلة على ذلك في عدد كبير من الأدبيات الحالية، والتي تأخذ مفهوم المجموعة كمحور، فإذا كانت المجموعة مركزًا للدراسة فمن الواضح أن لدى علماء الاجتماع عددًا كبيرًا من التجمعات بين النباتات والحيوانات والكائنات الحية الأخرى التي يمكن دراستها وفقًا لمفهوم المجموعة هذا، ما لم يتم تقصير الدراسة بشكل تعسفي على المجموعات البشرية أو ادعاء أن العلاقات الجماعية للإنسان فريدة من نوعها، من نوع مختلف عن تلك الموجودة في الكائنات الحية الأخرى.

وأن المجموعات البشرية تمثل الفروق النوعية الأساسية، وربما يكون هذا صحيحًا لكن يبدو إنه يجب إثباته وليس افتراضه، وكان أحد التطورات الرئيسية في العلم هو عملية تحويل هذه الاختلافات من النوع إلى درجات مختلفة.

3- تطور دراسة البيئية

من الواضح أن الدراسة البيئية في علم الاجتماع ستعطي أساسًا لمصطلح اجتماعي ليشمل أكثر مما كان عليه سابقًا، على سبيل المثال عالم الاجتماع السير برنارد الذي كان بارزًا بشكل خاص في التركيز على البيئة في تصنيف حديث للبيئة الاجتماعية يشمل تحتها البيولوجية الاجتماعية أو الكائنات الحية الأخرى التي تفاعلت مع الإنسان وحوّلها.

4- توسيع نطاق الدراسة الاجتماعية

يُظهر التطور الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتطور الرابع أو قد يكون جزءًا منه في الدراسة البيئية التي تطورت في علم الاجتماع، ويشير هذا بوضوح إلى التطور نحو توسيع نطاق الدراسة الاجتماعية لتشمل أكثر بكثير من الكائنات البشرية، فقد أكد عالم الاجتماع بارك وبورجس بشكل خاص على أهمية الدراسة البيئية، ويُظهر النظر في هذا النوع من التحقيق في الكتابات الاجتماعية أن هناك أدبيات كثيرة موجود مسبقاً عن المجتمعات النباتية والمجتمعات الحيوانية، وعلم اجتماع النباتات والحيوانات.

وتم إبراز بعض الأهمية من وجهة نظر اجتماعية للدراسة المقارنة للنباتات والكائنات الحية الدنيا والكائنات الحية الأعلى بما في ذلك الإنسان.

5- تطور علم الاجتماع المقارن

إن الإمكانية النظرية لتوسيع علم الاجتماع ليشمل ردود الكائنات الحية الأخرى قد تم الأشارة إليه من خلال مقارنة السلوك البشري والسلوك الواعي، فهو يوسع المجال ليشمل جميع أشكال الحياة الحيوانية التي يمكن إجاد فيها ردود أفعال الأفراد تجاه بعضهم البعض، حيث أن القيمة العلمية المعززة والدراسة الغنية الناتجة عن مقارنة السلوك الاجتماعي بالمعنى الأوسع واضحة، إذ يفترض بعض علماء الاجتماع أيضًا ردود فعل اجتماعية لدى الحيوانات.

ويجب أن تشير المقارنات الموجزة على أساس الدراسات الاجتماعية الحالية والسابق للبيانات الأوسع إلى العمليات الصلاحية المحتملة لمثل هذا المفهوم، وبعض العوامل التي ينطوي عليها.

6- تطور العلوم حول مشاكل الحياة البشرية

لقد كان علماء الاجتماع في الماضي متمركزين حول الإنسان بشكل ميؤوس منه تقريبًا، حيث اعتبر الإنسان نفسه مركز الكون، ولقد كان سعيدًا أن يعتقد نفسه فريدًا وشيء منفصل وإبداع خاص، وافترض أن ميل الإنسان إلى الاهتمام بنفسه ومشاكله هو أمر طبيعي، ولقد تطورت العلوم حول مشاكل الحياة البشرية هذه، وهكذا تطور علم الاجتماع، وقد تطور في المقام الأول كدراسة للمجتمع البشري، ولكن كما تم اكتشافه أن الإنسان ليس فريدًا وليس خليقًا خاصًا.

فهو بعد كل شيء مخلوق تطوري أو منتج إلى جانب الحيوانات والكائنات الأخرى لذلك يتم تعلم أن الحيوانات الأخرى اجتماعية ولديها حياة اجتماعية، والأساس المتميز لقصر العلاقات الاجتماعية على العلاقات الإنسانية هو أساس نفسي، إذ يقصر عدد كبير من علماء الاجتماع البيانات الاجتماعية على التفاعل الواعي، وغالبًا ما يتم تعريف الظواهر الاجتماعية على أنها تحفيز نفسي أي إنه يعني العقل والذهني والوعي وما إلى ذلك. وتظهر المشكلة على الفور فيما يتعلق بما يقصد بالوعي، إذ يمكن استخدام الوعي بطريقتين:

1- كمصطلح عام بما في ذلك إضافة الاستجابات العاكسة أي الفكر والاستجابة غير العاكسة والطوائف وكذلك استجابات مستقبلات المسافة.

2- بمعنى مقيد بالإشارة بشكل خاص إلى الردود العاكسة، فإذا تم تطبيق المعنى الأول على النشاط الواعي فلن يقتصر الأمر على البشر، حيث أن الكائنات الحية الأخرى تستجيب بهذه الطريقة، ومن الواضح إذا درس علم الاجتماع مثل هذا التحفيز البيني فإن مجاله يمتد إلى مجموعة كبيرة من أنواع مختلفة من الكائنات الحية.


شارك المقالة: