الأجواء الثقافية التي عاش فيها ماكس فيبر في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الأجواء الثقافية التي عاش فيها ماكس فيبر في علم الاجتماع:

عاش ماكس فيبر في وسط ثقافي منتعش كثير الانتعاش، ومزدهر علمياً وفكرياً وأدبياً وفنياً، كان يهيمن فيه فكر كارل ماركس وفكر العالِم نيتشه، فقد كان ماركس رجل اقتصاد يدعو إلى تغيير العالم بدل تفسيره، كما هو الشأن سابقاً عند الفلاسفة، وكان يعطي الأولوية للعوامل المادية في هذا التغيير، وخاصة قوى الإنتاج.

فقد نعى الفلسفة الميتافيزيقية القديمة التي كانت تعنى بتفسير العالم دون الاهتمام بتغييره، مما دفع ماركس إلى حمل شعلة التغيير الجذري، وإعلان الثورة البروليتارية على أسياد الملكية الخاصة، وقلب النظام الرأسمالي البرجوازي، والثورة كذلك على الأديان التي تستلب الإنسان وتخدره وتكلسه، وقد كان نيتشه أيضاً يدعو إلى تغيير القيم ومنظوماتها المعروفة، وهو المعروف بفلسفة المطرقة أو فلسفة العبث والنفي.

أما ماكس فيبر، فقد كان معارضاً لهذين الفيلسوفين الألمانيين المتميزين، إذ اكتفى بفهم العالم وتأويله على حد سواء، متجاوزاً بذلك عمليتي التفسير والتغيير، بمعنى أن فيبر كان يدافع عن فلسفة التأويل، في حين كان ماركس يدافع عن فلسفة التغيير.

وإذا كان ماركس قد تجاوز الحقيقة إلى البحث عن العدالة، فإن فيبر ما زال متعلقاً بتلك الحقيقة، محاولاً فهمها وتأويلها ورصدها عبر المعايشة، وقد انحاز فيبر إلى منهج العقلانية، ورفض المناهج القائمة على فكرة التطور أو الجدل أو التفسير المادي، واستبدال البنية التحتية بالبنية الفوقية، وجعل الثقافة هي الأساس في تحريك التاريخ والمجتمع والسياسة والاقتصاد.

تعددية الأسباب عند ماكس فيبر:

كما قال بتعددية الأسباب، ولم يقل بسبب واحد كما فعل ماركس حينما ركز على السبب المادي، ومن حيث قصر ماركس في السياسة، أبدع فيبر لقد جعل منها حقلاً للبحث العلمي، بحث فيه قضايا السيطرة والهيمنة والطاعة والشرعية والمشروعية والكاريزما والسلطة والبيروقراطية والدولة والنفوذ والحق والقانون، وحاول أن يميز فيه بين السياسي الذي يعيش من السياسة وذاك الذي يعيش لها.

لقد تجسد اهتمامه العملي بهذا الحقل من النشاط البشري في انسحابات متعاقبة منها فقد أظهرته أكثر ميلاً إلى الممارسة النظرية منه إلى الممارسة السياسية المباشرة وأكثر نجاحاً في الأولى منه في الثانية، فهو لم يكن مجرد عالم اجتماع يهتم بالسياسة، بل هو حسبما يقول النقاد مؤسس علم اجتماع السياسة.


شارك المقالة: