اقرأ في هذا المقال
الأخلاق البروتستنطية والروح الرأسمالية عند ماكس فيبر:
أن أهم خصائص النمط الرأسمالي الحديث الذي يوجد في الغرب، هو ما أسماه فيبر بروح الرأسمالية، والروح الرأسمالية هي عبارة عن نسق الأخلاقيات أو الاتجاهات نحو الحياة وما يجب أن يفعله الإنسان فيها، فقد شرح ماكس فيبر فكرته عن روح الرأسمالية بالتفصيل في مقاله الشهير “الأخلاق البروتستنطية وروح الرأسمالية”.
وقد حاول في هذا المقال أن يشرح أصول الرأسمالية، ومن أهم خصائص الروح الرأسمالية أو الاتجاهات الأخلاقية التي ترتبط بالروح الرأسمالية، والاعتقاد بأنه من الأشياء المفيدة أن ينفق الإنسان طاقته من أجل الحصول على دخل أو من أجل جمع المال، وأن يفعل ذلك حتى بعد أن تتوفر له احتياجاته الأساسية بمعنى آخر أن يصبح جمع المال هدفاً في حد ذاته أو إن يكون من أهم أهداف الإنسان في الحياة زيادة ثروته بغض النظر عن الأساليب المتبعة في ذلك طالما كانت الأساليب تتصف بالكفاءة.
وتتصف هذه الروح أيضاً بالمرونة والابتكار، وبالطبع كان لدى المواطنين في أزمنة ومواقع متنوعة مثل هذه القيم، ولكنها لم تكن معروفة بينهم كما جرى في القرنين الأخيرين في أوروبا وأمريكا، بحيث أصبحت هذه القيم أي قيم الربح وزيادة الثروة، ذات أثر هائل على أفراد المجتمع، وتظاهر ماكس فيبر أن هذه القيم أو هذه الروح تتصف بصفة العمومية في العالم الحديث.
قرر فيبر أنه لا بدّ أن يكون هناك عامل ما اتصل ببداية الروح الرأسمالية أو شجع على ظهورها، وقرر أن هذا العامل كان هو قيام الحركة البروتستنطية، ورأى أنه كانت هناك عناصر في الأخلاق البروتستنطية شجعت على ظهور الروح الرأسمالية، أولها وأهمها روح التقشف التي تتصف بها البروتستنطية، والتي تشكل جانباً ضرورياً من الروح الرأسمالية، وأيضاً ذلك الاتجاه الدنيوي المستمد من تعاليم مارتن لوثر.
ومن عناصر هذه الأخلاق البروتستنطية أيضاً ذلك التأكيد على تنظيم الحياة الشخصية للأشخاص المسيحيين وعلاقاتهم الاجتماعية، ومجموع هذه العناصر أدت إلى خلق اتجاه عام في الأخلاق البروتستنطية يؤكد على ضرورة أن يحيا الإنسان حياته بطريقة منظمة ومرتبة ونشطة، وتتسم هذه الحياة بالسمات اللاشخصية وأهم شيء في ذلك الاتجاه هو تأكيد الأخلاق البروتستنطية على الروح الفردية وعلى الاتجاهات الدنيوية.
وقد حاول فيبر أن يدرس العلاقة بين الدين وبين غيره من جوانب الحياة الإنسانية وخاصة الاقتصادية، ورأى أن هناك بعض الاتجاهات الدينية يمكن أن تساعد على النشاط الاقتصادي، بينما هناك اتجاهات دينية أخرى تمثل عقبة في طريق التقدم الاقتصادي.
ويقول عالم الاجتماع ميتشل أن أهم إسهامات فيبر في علم الاجتماع، هي أن يحاول توضيح ذلك النسق الاجتماعي الاقتصادي السائد باسم الرأسمالية على قوانين تاريخية واجتماعية من خلال استخدام الدراسات المقارنة.
أهم معالم فكر ماكس فيبر في علم الاجتماع:
أولاً: الالتزام الإيديولوجي المبين بالنظام الرأسمالي وتمجيده، واعتباره النظام الأنسب للبشرية، الذي ينبغي الحفاظ عليه وإدخال التحسينات والتعديلات به، ويتصل بذلك نزعة عنصرية مفهومة تتضمن في الدعوة إلى تحكم ألمانيا على غيرها من البلدان.
ثانياً: بات ماكس فيبر عالم اجتماع من خلال اشتباكه في جدل عميق وشديد مع كارل ماركس، كان غايته تأكيد خطأ أفكار ماركس الثوري، وتحدي تظاهر ماركس بأن الاشتراكية أسمى من الرأسمالية من الناحية الإنسانية والأخلاقية.
ثالثاً: اعتقد ماكس فيبر أن أصل الواقع الاجتماعي سيكولوجي تأملي، وبذلك فإن موضوع علم الاجتماع يكون دراسة أشكال هذا الواقع السيكولوجي.
رابعاً: وحدة التحليل الرئيسية عند ماكس هي الفرد الفاعل، ولا بدّ من تقليص كل المفهومات الأخرى مثل الدولة أو الرابطة أو النظام الاجتماعي إلى فعل يمكن فهمه، أي إلى أفعال الأفراد المشتركين في النشاط.
خامساً: على الرغم من أن فيبر لم ينكر أهمية العوامل المادية في المجتمع، إلا أنه رأى أنها تابعة للعوامل الفكرية وليست أصلاً لها.
سادساً: صور فيبر الإنسان على أنه مقيد واقعه الاجتماعي، وأنه ليس قادراً على تغييره، وحذر من الثورة، فالعمال قد يكسرون أغلالهم بالثورة، ولكنهم لن يكسبوا شيئاً من ورائها.
سابعاً: أن أنماط ماكس فيبر الخالصة أو المثالية عن السلطة وعن الفعل الاجتماعي أنماط تصورية لا ترتكز على أدلة واقعية، كما أن اعتقاداته عن الطبيعة المثالية للواقع الاجتماعي وبخاصة مقولته التي مؤداها أن الرأسمالية تكونت عن الروح البروتستنطية لا ترتكز على أدلة تاريخية امبريقية.