كانت فرنسا قبل الثورة تشكي من فراغاً في خزينتها، ويعود تاريخ ذلك الفراغ إلى عصر لويس الرابع؛ وذلك نتيجة ما خاضته فرنسا من حروب في حكمه، ولم يبادر أحد حينها في معالجة الوضع بصورة جذرية، وقد برزت تلك الأزمة عقب حرب الاستقلال الفرنسية، وما تكبدته فرنسا من مصاريف باهظة من أجل مساعدة الأميركيين ضد الاستعمار البيزنطي.
الأزمات الاقتصادية والمالية في فرنسا:
إن الأزمات الاقتصادية والمالية التي عانت منها فرنسا قبل الثورة، لم تكن بسبب ضعف الموارد الأساسية في فرنسا، فقد كانت فرنسا في ذلك الوقت تمتلك زراعة مزدهرة وصناعة على درجة عالية من التقدم والتطور، وقد كانت تجارتها الخارجية نشيطة جداً، وإنما الأزمة المالية في فرنسا كان ناتجة عن عجز الدولة عن موازنة مصاريفها ودخلها المالي، حيث كانت الفئة القادرة على دفع الضرائب لا تقوم بذلك؛ وذلك بسبب الميّزات التي كانت تتميز بها منذ القِدم، فالخلل كان في موازنة فرنسا وليس في مواردها.
ولكي ندرك حقيقة الوضع المالي في فرنسا، يجب علينا أن ننظر إلى حسابات الخزينة، ففي عام 1788 ميلادي وهو العام السابق للثورة فقد كانت مصاريف الدولة في هذا العام 629 مليون ليرة، بينما الواردات فقد كانت 503 مليون ليرة؛ أي أن العجز كان قَدره في ذلك العام 136 مليون ليرة، ولعلَّ ما في أسوأ الموازنة العامة في فرنسا، هو طريقة توزيع المصاريف، حيث كان يذهب أكثر من نصف تلك الأموال إلى جيوب المرابين.
وكان منها ما يذهب للجيش والبحرية، الذين جلبهم الملوك والنبلاء للقصور والذي كان تصل نسبة موازنة القصر إلى نسب مرتفعة، أما التعليم فلم يكن له نصيب كبير من الموازنة الفرنسية، وفي عصر لويس السادس عشر حصلت عدة محاولات من أجل إصلاح الأوضاع المالية في فرنسا، والتي قام بها الوزراء “تيرغو و نكير”، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، نتيجة رفض النبلاء التنازل عن امتيازاتهم ودفع الضرائب، والتي كانت مفروضة عليهم بسبب ثرواتهم الكبيرة.
وقد كان الهدف الإصلاحات الأخيرة التي قاموا بها الوزراء، هو المساواة بين الفرنسيين في تحمل أعباء الدولة، بغض النظر عن الفروقات الاجتماعية بينهم، والعمل على إلغاء الحواجز والحدود الجمركية بين الأقاليم الفرنسية؛ وذلك من أجل تنشيط التجارة والعمل على سهولة نقل البضائع.