السياسة الداخلية في عهد الملك عبد العزيز:
بقي الملك عبد العزيز آل سعود في المملكة التي قام في إنشائها بعد فترة طويلة من الجهاد، قام في توحيد أرضها وشعبها تحت راية واحدة وهي التوحيد. وقد بدأ الملك في ممارسة الحكم والسياسة على جميع المستويات، قبل أن يعلن اسم المملكة العربية السعوديـة بعشرات السنين، وذلك منذ أن دخل الرياض سنة ١٣١٩ هجري ١٩٠٢ ميلادي، وقد اكتسب خبرة في المواجهة من خلال المعارك التي خاضها مع خصومه في نجد ومع الأتراك وصنائعهم، وكانت المعارك طويلة وكثيرة، استغرقت من جهده الكثير، ولكنه تعلم منها ما لم يتعلمه ملك أو رئيس أو حاكم معاصر له، فقد حارب، وقاتل العديد من الخصوم على اختلاف قواهم وأسلحتهم والقوى التي تساعدهم، كما واجه الفتن الداخلية.
ومن خلال معاركه تلك مع أعدائه اكتسب ذكاء سياسي كبير، فجمع بين كفاية القائد في ميدان القتال وذكاء السياسي ومهارته في مجال السلام. لقد أكسبته عشرات السنين من الكفاح، وتعدد القوى التي واجهها، وتنوع الخصوم، اكسبته خبرة بالحكم والسياسة لم تجتمع لأحد من الحكام في وقته، بل ومنذ عهد الإِمام محمد بن سعود – رحمه االله- مؤسس الدولة السعودية الذي أخذ بيد دعوة التجديد التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه االله- ولم يتهيأ لأحد من أئمة آل سعود من التجارب في الحكم والسياسة والقتال ما يسره االله للملك عبد العزيز آل سعود.
فقد قام وهو في بداية شبابه في استرداد الرياض التي حكمها آباؤه وأجداده، ولم ينقطع جهاده، ولم تضعف همته في مواجهة القوى التي تصدّت له، وظل نجمه في سعود ساطع طوال عشرات السنين، حتى قام بفضل رب العالمين وتوفيقه توحيد المملكة العربية السعودية، وأصبح سيد معظم شبه الجزيرة دون منازع، واستقر ملكه الواسع، وتجمعت في عقله وقلبه ونفسه خبرة التجارب التي واجهها، وحنكة المواهب التي أنعم االله فيها عليه، هكذا بدأ عبد العزيز الملك فأصلحه االله به بعد أن أقامه، فلم تكن تنقصه تجربه.
إذا أشرنا إلى الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية، فقد نلاحظ أنه ملك استقر ملكه واتسعت دولته وتعد إنجازاته في الدفاع والكفاح من أجل توحيد المملكة، وسوف نجد أنه تمكن أن يضع أصول السياسة الداخلية والخارجية للملكة، والأصول والمبادئ والقيم التي تستند إِليها تلك السياسة داخلياَ أو خارجياً.
وهذا ذكاء الملك عبد العزيز، فلم تكن سياسته ترتبط في زمان أو مكان فحسب، ولكنها كانت سياسة تعد مستقرة تناسب عهده في أساليبها وتناسب الدولة بعد عصره في قيمها ومبادئها التي تقوم عليها. كانت سياسة الملك عبد العزيز في الداخل وفي الخارج تتسم في الوضوح، فكانت إِسلامية في الالتزام عربية في الأولوية والاهتمام، إِنسانية التوجه لخدمة المسلمين والبشر في كل مكان وزمان.
محددات السياسية السعودية:
يعد أساس السياسة للمملكة العربية السعودية قائم على قيم ثابته تعد سياسية،تاريخية، دينية، وضمن منهج رئيسي؛ أهمها: عدم التدخل في الأمور السياسية الداخلية للدول المجاورة، ودعم العلاقات مع الدول المجاورة والجزيرة العربية، وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويُدافع عن قضاياها، وانتهاج سياسة عدم الانحياز، وإقامة علاقات تعاون مع الدول الصديقة، وتأدية دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية؛ وتنشط هذه السياسة من خلال عدد من الدوائر الخليجية، العربية، الإسلامية والدولية.
كذلك فإن عددًا من المتغيرات يكمن في تأثير على السياسة الداخلية للدولة على طبيعة الحكم السعودية، هذه المتغيرات كانت أولها هي الأصل في العربية الإسلامية؛ فإن لها تأثيراً على السلوك المملكة من الخارج وكذلك من الداخل، كما يعتبر العقد الاجتماعي بمكوناته القبلية والبرجوازية والدينية (السيسيو بوليتيك) الذي يُنظم علاقة القوة الشعبية بالأسرة الحاكمة أحد المحددات المهمَّة
هناك العديد من المحددات الجديدة كما ذكره الباحث السعودي منصور المرزوقي وأطلق عليه: “توازن هرم السلطة”، ذاكراً أنه “يوجدفي أعلى هرم السلطة الأمنية، ووزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني (التي تمتلك القوة الصلبة، متمثلة في القوة العسكرية والموارد المالية الضخمة)، ثم يأتي في وسط الهرم هيئة البيعة؛ التي تمتلك حق انتخاب الملك وولي عهده، ثم تأتي بعد ذلك عملية انتقال الحكم، وتشكل القوى الأمنية البيئة الحاضنة لهيئة البيعة؛ مما يُعطيها نفوذاً بارزاً على عملية انتقال الحكم، كل هذا يمثل تغيراً في بنية السلطة.