الأمور التي تربط بين الثقافة والشخصية:
لا بد من معرفة الأمر الأهم بالنسبة للفرد بأن شخصيته في نمو وتطوّر دائم ومستمر من عدة جوانب مختلفة، كذلك تنمو الشخصية الفردية داخل الأسس الثقافية الذي تتكون من خلالها، وتتفاعل مع هذه الأسس حتى تتكامل وتكتسب الأنماط الفكرية والسلوكية التي تسهّل تكيّف الفرد، وعلاقاته بمحيطه الاجتماعي العام.
كذلك لا بد من معرفة أنّ عملية تكوين الشخصيّة هي عبارة عن عملية تعلمية ذات طابع ثقافي، حيث يجري فيها ترابط قوي بين كافة خبرات الفرد التي يحصل عليها من البيئة المحيطة مع صفاته التكوينية، لتشكّل معاً وحدة وظيفيّة متكاملة تكيّفت عناصرها، بعضها مع بعض تكيّفاً متبادلاً، وإن كانت أكثر فاعلية في مراحل النمو الأولى من حياة الفرد.
فالثقافة ترتبط بالشخصيّة بشكل كامل، حيث تكوّن داعماً أساسياً من دعائم الشخصيّة وتعمل على تحديد سماتها، ولذلك، فإنّ دراسة الثقافة والشخصيّة، تمثّل المحور الأساسي للعلاقة بين علم النفس وعلم الإنسان، فلا يمكن فهم أي شخص فهماً جيّداً، من دون الأخذ في الاعتبارات الثقافية التي نشأ عليها، كما لا يمكن فهم أي ثقافة إلاّ بمعرفة الأفراد الذين ينتمون إليها ويشاركون فيها، وتتجلّى بالتالي في سلوكياتهم الملحوظة، حيث تبدو تأثيرات الثقافة على الفرد في النواحي التالية:
النواحي التي تبين تأثيرات الثقافة على الفرد:
- الناحية الجسمية: إنّ أمر الثقافة السائدة لدى أفراد شعب من الشعوب، في أغلب الأحيان ما تجبر الفرد بما لها من قوّة وإلزام، وأمر سيطرة مستمدّة من العادات والقيم والتقاليد على أعمال وممارسات قد تضرّ بالناحية الجسمية ضرراً كبيراً.
- الناحية العقلية: لا بد من معرفة أنّ الثقافة بأبعادها المادية والمعنوية، ذات تأثيراً كبيراً في الجوانب العقلية للشخصيّة، ولا سيّما من الجوانب الثقافية الفكرية، فالفرد الذي يقيم في جماعة مجتمع تسود ثقافتها العقائد الدينية أو الأفكار السحرية، تنشأ عقليته وأفكاره متأثّرة بذلك.
فالمعتقدات التي تسود في بعض المجتمعات، تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر، وبالتالي فإنّه من الأمر الطبيعي أن يتأثّر الفرد سواء في المجتمع المبتدئ، أو في المجتمع المتقدم بثقافة مجتمعه، ولا سيّما عن طريق الأسرة، باعتبار أنّ من أهمّ وظائف الأسرة، مساندة التركيب الاجتماعي وتأييده.
- الناحية الانفعالية: يتضمّن الجانب الانفعالي، ما تتواجد أمور لدى الشخص من الاستعدادات والدوافع الثنائية الثابتة تدريجياً، والتي يستمدها منذ طفولته، وتعتمد على التركيب الكيميائي للفرد، وتتّصل اتصالاً وثيقاً بالنواحي الفيزيولوجية والعصبية.
وتؤكّد مجموعة من الدراسات في علم الاجتماع، أنّ للثقافة مكاناً كبيراً في تكوين مزاج الشخص وتهذيب انفعالاته، وإن لم يكن لها المكانة الحاسمة في ذلك، فكثيراً ما نجد أشخاصاً قد ورثوا في تكوينهم البيولوجي، عوامل استعدادات تثير لديهم ردات انفعال الغضب، لكنّ التنشئة الاجتماعية الثقافية، ونبذ المجتمع لتلك الصفة، تجعل الأفراد يعدّلوا من سلوكهم.
- الناحية الخُلُقية: تعتمد الناحية الخُلُقية بشكل رسمي على الناحيتين العقلية والانفعالية أيضاً، وكذلك مجموعات المواد الخام التي تبنى عليها الصفات الخُلُقية للأفراد ولذا فإنّ الأخلاق السائدة في المجتمع، هي الحصيلة الناتجة من تفاعل القوى العقلية والانفعالية، مع عوامل البيئة.
كذلك لا بد من معرفة النواحي الأخلاقية أنها أكثر قرباً إلى الأمور البيئية، ضمن البيئة الاجتماعية التي تكون مسيطرة بشكل قوي على الفرد، فلكلّ ثقافة نسق أخلاقي خاص ينساق فيه الفرد، متأثّراً بالمعايير الأخلاقية السائدة من ناحية الخير والشر،والصواب والخطأ، وما يجوز وما لا يجوز، وإن كانت هذه المعايير نسبيّة تختلف في معانيها ودلالاتها من مجتمع إلى مجتمع آخر.
كذلك لا بد من تواجد فرق ما بين الشخصيّة والثقافة، فإنّ ذلك يعود إلى الفرق في الأسس التي تقوم عليها كلّ منهما، فالشخصيّة تعتمد على تفير الفرد وجهازه العصبي، ودورة حياتها ما هي إلاّ مظهر من مظاهر دورة حياة الجسم لدى الفرد، أمّا بالنسبة إلى الثقافة، فتستند إلى مجموع أدمغة الأفراد الذين يؤلّفون المجتمع.
وبينما خلال الفترة التي تتطوّر فيها هذه الأدمغة كلّ بمفرده وتستقرّ ثمّ تموت، تتقدّم دوماً تفكيرات جديدة لتحلّ محلّها. ومع أنّه لا بد من تواجد حالات كثيرة من المجتمعات والثقافات التي طمستها قوى خارجة عنها وعن إرادتها، إلاّ أنّه من الصعب أن نتصوّر أن المجتمع أو ثقافته، يمكن أن يموت بسبب الشيخوخة الثقافية التي تحل به.